لا بد ان يكون واضحا جدا ان اسرائيل لا تريد وقف الحرب، لانها امام حزمة اهداف استراتيجية تريد تحقيقها من خلال هذه الحرب، وليست امام عمليات عسكرية محدودة.
بشأن غزة تتذرع اسرائيل بهجوم السابع من اكتوبر 2023 لتدمير قطاع كامل على رؤوس اهله، حيث تم تشريد اكثر من مليوني فلسطيني، وهدم اغلب البيوت كليا او جزئيا، ولا يمكن لعاقل ان يصدق ان هذا الذي يجري هو انتقام من مجموعة عسكرية نفذت هجوم السابع من اكتوبر، وهو هجوم قد يؤدي الى رد فعل اسرائيلي ضد التنظيم، لكنه لا يؤدي الى تدمير القطاع كاملا، ونرى اليوم ان مستهدفات اسرائيل التي فشلت لم تتحقق الا على المدنيين، اما القيادات المطلوبة والتي تم الوصول اليها، فلن توقف الحرب، فقد تجاوزت اسرائيل حاجتها لصناعة صورة انتصار امام مجتمع اسرائيل، طوال عام كانت فيه تقتل المدنيين فقط، فيما تجاوز اسرائيل حياة الاسرى واهميتها، بعد كل هذه الخسائر في جيشها من قتلى وجرحى.
لبنان ايضا على ذات الطريقة، وبذريعة حدوث عمليات قصف يتم قصف بيروت وكل لبنان، والتوقعات تتحدث عن قصف بحري محتمل، ومحاولات الاجتياح، وتدمير مطار بيروت والمعابر البرية والموانئ، والعمليات الاسرائيلية التي تقوم بها اسرائيل ضد اللبنانيين، على مستوى قتل قيادات سياسية وعسكرية، وتشريد المدنيين، وحرق المناطق السكنية، يتجاوز بكثير رد الفعل على عمليات قصف من داخل لبنان، ونحن امام مطابقة من نوع غريب مع ما يجري في غزة، اي توظيف اي عمل عسكري للدخول الى حزمة اهداف استراتيجية مؤرشفة ومحددة داخل العقل الاسرائيلي السياسي والعسكري، وليست وليدة ساعة او ساعتين.
هذا يعني ان اي تراجع من الفلسطينيين او اللبنانيين لن يؤدي الا الى نتائج اسوأ من نتائج الحرب ذاتها، وهذا يقول ان الطرفين امام استعصاء غير مسبوق، حيث استمرار الحرب كارثة، ووقفها بالشروط الاسرائيلية كارثة من نوع ثان، في هذا التوقيت الاكثر صعوبة.
لا يريدون وقف الحرب، بل سنرى انها سوف تتواصل، ويكفي السؤال عن قدرة اسرائيل الاقتصادية والعسكرية لمواصلة الحرب لعام ثان، اذ لولا الدعم الاميركي المالي والعسكري، ودعم اطراف ثانية سرا، لما استمرت الحرب التي تخوضها اسرائيل ايضا نيابة عن معسكر اكبر، وليس دفاعا عن وجودها فقط، بما يعني اننا امام حرب دولية تتكثف في فلسطين ولبنان.
حزمة الاهداف الاسرائيلية باتت معروفة، تهجير ابناء غزة الى مصر، وتطهير القطاع من سكانه، وليس من المقاومة فيه، وانهاء اي تنظيمات عسكرية في فلسطين، وصولا الى لبنان التي يراد اعادة انتاج تركيبتها الداخلية بما يتطابق مع توافقات سرية مع اطراف لبنانية على صلة بالاميركيين والاسرائيليين، وبما يصب في سيناريو انهاء الوجود الايراني العسكري في اكثر من بلد، تمهيدا لتصفية الحساب مع الايرانيين عسكريا، او سياسيا، بحيث تكون طهران في اضعف حالاتها، وهي التي غازل رئيسها الولايات المتحدة في نيويورك علنا، لمعرفته كلفة الحرب الأسوأ على بلاده اذا جاء دور ايران نهاية المطاف وضمن هذه السلسلة المستهدفة.
لكن ايران هنا قد تكون نقطة التحول، سياسيا، او عسكريا، خصوصا، اذا ادت الضربة الاسرائيلية المحتملة الى اضرار كبيرة في ايران، بحيث تجبر ايران على الرد، بشكل اقوى، بما يعني ان المنطقة كلها ذاهبة الى وضع غير مسبوق، لا يمكن التحكم بايقاعه، وهذا الامر اذا حدث، سيثبت أن غزة كانت مجرد صاعق تسبب بتفجير الاقليم، ولم تكن الا البداية فقط.
مواصلة التحليل السياسي وتوجيه الاسئلة عن موعد توقف الحرب، مضيعة للوقت، ما لم يتم الحديث عن الذي تريده اسرائيل فعليا من الحرب، لان اغلب التحليلات تتحدث عن مطالبها الظاهرة كإعادة الاسرى وغير ذلك، فيما مستهدفاتها الاستراتيجية اوسع واخطر بكثير، وتصل حد القناعة بقدرتها على ترتيب اوراق الشرق الاوسط، والسيطرة عليه، وعلى موارده وشعوبه ودوله، في مشروع استعماري من نوع جديد، تغطيه الولايات المتحدة بالدعم بكل الوسائل.
الخلاصة تقول هنا إن استمرار الحرب كارثة، ووقفها بالشروط الاسرائيلية كارثة من نوع ثان.
الغد