الإعداد .. عبرة العقيدة والنصر ..
محمود الدباس - ابو الليث
18-10-2024 06:23 PM
في إحدى ليالي الجهاد المصيرية.. كان صلاح الدين الأيوبي يسير بين خيام جيشه تحت ستار الليل.. يراقب استعدادات رجاله لما ينتظرهم من المعركة القادمة.. معركةٌ ليست كغيرها.. إذ كانت مشروطة بالروح والإيمان.. قبل السلاح والعدة.. فحينما سمع ضحكات ترتفع من خيمة ما.. قال "من هنا تأتي الهزيمة".. وحينما رأى رجالاً يقومون الليل ويصلّون.. قال بثقة "من هنا يأتي النصر"..
لقد أدرك صلاح الدين.. مثل غيره من القادة المسلمين.. أن المعركة في سبيل الله.. ليست مجرد مواجهة بين قوتين عسكريتين.. بل هي امتحان للإيمان والالتزام بأوامر الله.. فالنصر الإلهي لا يُمنح.. إلا لمن اتبع نهج الله كاملاً.. دون أي تهاون أو مخالفة.. إذ يقول الله تعالى "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ".. فالنصر ليس مكافأة على الشعار فقط.. بل هو ثمرة الإخلاص والتقوى والعمل الصالح..
على مر التاريخ الاسلامي.. ولغابة ايامنا هذه.. كم سمعنا عن معارك دارت باسم الدين.. لكن تخللها شوائب عقدية.. أو تنازلات شرعية بحجة "المصلحة تقتضي".. في مثل هذه الحالات.. لا يمكن للمرء أن يتوقع نصراً إلهياً.. لأن من يقاتل باسم الله.. يجب أن ينقي نيته.. ويخلص عمله.. فلا مجال للتهاون في دين الله.. فالله سبحانه وتعالى لا ينصر من يرفع راية الجهاد.. بينما قلبه مشغول بالدنيا أو بتجاذبات ومصالح سياسية بحتة.. بل ينصر من أخلص الدين والنية والعمل لله وحده..
ومما يعزز هذا المفهوم قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".. فالإعداد الذي أمر الله به.. لا يتوقف عند جمع السلاح أو العدة.. بل يجب أن يصل إلى حد زرع الخوف والرعب في قلوب الأعداء.. سواء كانوا معروفين أو خفيين.. الإعداد هنا ليس مجرد تجميع للقوة المادية.. بل هو توجيه شامل للإعداد النفسي والروحي.. فإذا كانت هذه القوة لا ترهب الأعداء.. فإنها لا تحقق الغاية المرجوة منها.. وما ينفق في سبيل الله يعود بالنفع على الأمة.. كما قال تعالى: "وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون"..
إن الدروس من التاريخ الإسلامي واضحة وجلية.. ففي معركة "حنين".. حينما اختل توازن الإيمان في النفوس.. كانت الهزيمة الأولية.. رغم كثرة العدد وقوة العتاد.. وحينما عاد الإيمان إلى القلوب.. واستغاثوا بربهم.. تحول الموقف.. وانتصر المسلمون.. هذه الأمثلة تؤكد أن النصر الرباني مرهون بالتقوى.. والاعتماد على الله.. لا على العدد والقوة المادية فقط..
وعلينا أن نعي بأن النصر في سبيل الله ليس أمراً يُتحقق بقوة السلاح فقط.. بل هو مرتبط بتوازن كامل بين العقيدة الصحيحة والإعداد المادي.. فمن يلتزم بتعاليم الله.. وينصره بقلب صادق.. وإيمان خالص.. سيجد أن وعد الله بالنصر حق.. أما من يتهاون في تطبيق شرعه.. أو يخلط بين المصالح والمفاهيم الدنيوية المتضاربة مع صلب العقيدة.. وبين الشعارات الدينية الحقة.. فإنه يبعد عن نفسه وعد الله بالنصر..
هكذا.. يصبح النصر ليس مجرد مسألة مادية.. بل هو انعكاس لعقيدة صافية.. وإعداد صحيح يرهب الأعداء.. وهو ما يجعل وعد الله بالنصر لا محالة..
وفي الختام.. لا نقول إلا.. اللهم انصر كل من أخلص لك في نيته وعمله.. وثبّت أقدام من جاهد في سبيل نصرتك بحق وإخلاص.. ورد كيد الظالمين في نحورهم.. وأنت خير الناصرين..