اعتقد أن «طشّات الجمعة» ما زالت مقياساً جيّداً لمعرفة مستوى معيشة الأردنيين..ولو كنت مكان وزير المالية ، لأخذت لفّة على اشتفينا وجرش والرمان و برقش وطريق المطار قبل ان اتّخذ أي قرار اقتصادي أو اقرّ أي ضريبة جديدة..
في الثمانينات كان رب الأسرة يتمددّ وعائلته على 3 «حُصُر» كل واحدة من ذوات الـ «أربع فلايج» مدعماً جسده بوسائد مكتنزة وفرشات منجّدة وأدوات ترفيه مختلفة، مما يدل على الارتخاء الاقتصادي.. طبعاً يحدّ الجلسة 3 مناقل فحم على أهبة الاستعداد لاستقبال الأسياخ والمشابك وأفواج من الدجاج المكبّل..بينما سيارة مرسيدس الـ 200 لف تقف بأنفة وغرور شديدين قبالته.
في التسعينات، أُجبر ربّ الأسرة أن يتمدّد على حصيرة واحدة «ام اربع فلايج» مدعماً بوسادتين وفرشة واحدة مع ضرورة (كف رجليه لورا)، مع الاحتفاظ ببعض الأدوات الأساسية فقط، بينما تأقلم باقي أفراد الأسرة مع انحسار مساحة الحصيرة ، فأخذوا وضعية «الجلوس تربيع» ، وهذا يدل على تراجع ملحوظ في الارتخاء الاقتصادي ..طبعاً اقتصرت أدوات الشواء في التسعينات على منقل واحد و»نُقرة» صغيرة ، لاستقبال القليل من الدجاج والكثير من البطاطا..بينما بكم «الاسوزو» يقف على مقربة منهم محاولاً المحافظة على مستوى الجخّة الوطنية..
في بداية الألفين..اكتفى رب الاسرة بالجلوس على حصيرة واحدة أم «3فلايج» ومد رجليه بشكل متعامد مع جذعه ، مدعماً جلسته بوسادة واحدة وحرام رقيق،بينما تأقلم باقي افراد العائلة مع الانحسار الجديد ايضاَ لحجم الحصيرة ، فأخذوا وضعية الجلوس «جدي على ركبهم» ، كما اختفت أداوات الشواء تماماً مكتفين على «طنجرة» يحضرونها جاهزة من الدار..بينما سيارة «الأوبل فيكترا» تقف في الشارع المقابل تحت شعار مبطّن: « يكفي انها المانية»
في الـ2011 .. رب الأسرة يجلس «جدي على ركبتيه» على حصيرة «ام فليجتين»، مدعماً جلسته بشرشف وصله حديثاً من العُمرة ، متخذاً كيس حفاظات آخر العنقود وسادة له، بينما يجلس باقي افراد الأسرة «على ركبة ونص»،قربهم غاز صغير تغلي عليه دلة قهوة تكفي لفنجانين فقط ، طبعاً جميعهم منهمكون في «تفصيم» بزر بطيخ وشرب الشاي بعصبية مفرطة..أما سيارة «الهونداي اكسنت» فتقف بعيداً بعيداً في محاولة للتنكر من صاحبها وعائلته...
في عام 2015..رب الأسرة يجلس بوضعية ركبة ونص على حصيرة «أم فليجة واحدة» أمام اكبر مسجد في البلد، مدعما جلسته بسجادة صلاة لغايات الشحدة ..بينما سيارة نقل الموتى التي تقف بموازاته مكتوب على واجهتها بخط أسود حزين: «انا لله وانا اليه راجعون»..
ahmedalzoubi@hotmail.com
(الرأي)