الانكفاء السياسي: بين إعادة التدوير وغياب التأثير
تمارا خزوز
16-10-2024 11:45 AM
تسود حالة مستغربة من الغياب أو الانكفاء السياسي، التي برزت مباشرة بعد انتهاء الانتخابات النيابية، حيث انصرفت الأحزاب السياسية للتحضير لمعركة رئاسة مجلس النواب ولجانه. في الوقت ذاته، تنتظر النخب السياسية تجديد تعيين رئيس مجلس الأعيان، أو تسمية رئيس جديد، وسط سيناريوهات تتراوح بين إعادة تشكيل المجلس بالكامل أو تعبئة الفراغ في المجلس.
لا ينبغي لهذه الحالة من الجمود السياسي أن تستمر لفترة طويلة، لأنها قد تثبت فرضية أننا شعب يجيد الانتخابات لأجل الانتخابات وليس لأجل التمثيل! كما أن الانتظار المبالغ فيه للتعيينات والتشكيلات، والتركيز غير المبرر على الأشخاص، يرسل رسائل مفادها أن قوة هذه المؤسسات مستمدة من قوة من يترأسها، مما يتناقض مع فكرة شرعيتها الدستورية، ويوحي بوجود خلل في استقلالية العلاقة بين السلطات.
ويبدو أن هذه الحالة تتزامن أيضاً مع ظاهرة إعادة تدوير الشخصيات العامة في المواقع القيادية، دون الانتباه إلى أن بعض هذه الشخصيات قد فقد القدرة على التأثير والتعبئة الاجتماعية، أو استبدالها بوجوه جديدة في محاولة للإحلال، لكن هذه الوجوه الجديدة لا تمتلك أيضا الثقل السياسي اللازم للتأثير. وفي كلتا الحالتين، تبقى النتيجة واحدة: فراغ سياسي يتفاقم إذا فُقدت القدرة على التواصل مع القاعدة الشعبية.
إن ديناميات التأثير والتعبئة الشعبية عملية متداخلة ومعقدة للغاية، تتطلب الجمع بين التأثير على الرأي العام وحشد الجماهير من أجل التحرك أو دعم قضايا وسياسات معينة. نجاح هذه العملية يعتمد بدرجة كبيرة على التواصل الفعّال والقدرة على تنظيم الرسائل بوضوح، والأهم اختيار التوقيت المناسب لتحقيق التأثير المطلوب.
ما نشهده اليوم من القيادات السياسية هو خلل واضح في إدارة توقيت الظهور والغياب، مما يعمّق حالة الجمود السياسي ويؤدي إلى غياب الحوار العام حول القضايا الملحّة. هذا الجمود لا يزيد فقط من حالة الإحباط لدى المواطنين، بل يعزز الشعور بالعجز عن مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية المتفاقمة، في ظل وضع إقليمي ملتهب يزداد تعقيداً مع تصاعد التوترات والتحديات الداخلية.
كسر حالة الجمود السياسي الذي نشهدها، وهي حالة منفصلة عن أي حراك يدور في أروقة الدولة، تحتاج تضافر مجموعة من الأطراف الفاعلة أهمها الإعلام الذي تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في الوقت الراهن، فلا ينبغي للإعلام أن يكرر الخطاب أو يقدمه بشكل متشابه في كل المنصات أو اجترار المواضيع أو افتعالها. يستطيع الإعلام المهني المسؤول توجيه الحوار العام نحو القضايا الأكثر إلحاحاً، وخلق رأي عام يضغط باتجاه تحقيق الإصلاحات الموعودة وتنفيذ رؤى التحديث السياسي والاقتصادي.
إن استمرار حالة الانكفاء أو الجمود السياسي، سواء كان نتيجة لإعادة تدوير النخب، أو استبدال القيادات، أو ضعف التواصل مع القاعدة الشعبية، يحمل تبعات جدية لا يمكن تجاهلها، لا بد من إيجاد طرق لاستعادة الفاعلية السياسية وزيادة المشاركة الشعبية، ولا نغفل حقيقة أن أكثر من 70٪ من المواطنين لم يشاركوا في الانتخابات، مما يعني عدم القدرة على التنبؤ أو معرفة توجهاتهم.