ماذا بعد اليوم التالي للحرب ؟
د.زهير أبو فارس
16-10-2024 11:34 AM
مع ان وقف الحرب وإنهاء العدوان الاسرائيلي على غزة ولبنان ليس مطروحا بشكل جدي الساعة، إلا أنها ستتوقف في يوم ما ، ليطرح السؤال إياه حينها، سيما والثابت هو أنه مهما كانت همجية ودموية العدوان ، فسيبقى عاجزا عن إنهاء فكرة المقاومة ، ما دامت الأسباب التي ادت إليها لا تزال قائمة، وهي احتلال الأرض الفلسطينية وعدم الإعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في الحرية ،وزوال الاحتلال ، واقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على ترابه الوطني، انسجاما مع قاعدة ان الظلم والاحتلال سيزولان مهما طال الزمن، ودروس التاريخ وتجارب الشعوب المكافحة من أجل الحرية والاستقلال في الجزائر وفيتنام وافغانستان وغيرها ، دليل على ما نزعم .
وهنا يمكن طرح بعض الحقائق ، ومنها:
اولا: فوفق القوانين الاجتماعية، فإن التراكمات الكمية الكفاحية بأنواعها، والتضحياتت الجسام والدماء الزكية التي أريقت على مذبح حرية الفلسطيني ستتحول، لا محالة ، إلى حالة نوعية أخرى من النصر ، حتى لو لم يكن واضحا ومعلنا ، لكنه متحقق على أرض الواقع (de facto)، ما دامت أهداف العدو في كسر إرادة الضحية لم تتحقق ، وهي ، في المحصلة، تمثل حالة نصر استراتيجي ، ستفرض وجودها، مهما حاول الطرف الآخر إنكارها، بحكم الغطرسة والاستعلاء والعنجهية، واستمرار اقناع الذات بالتفوق،من خلال شعوره بفائض القوة ، وحتى التميز العرقي، مما يتطلب استغلال اللحظة التاريخية والبناء عليها فلسطينيا وعربيا ودوليا.
ثانيا: اما بالنسبة للطرف الآخر المعادي، فإن ما جرى منذ اكتوبر العام الماضي ، بغض النظر عن اختلاف منطلقات تقييمه ، وخلال الفترة والاحداث التي تلته ، قد أحدثت إنكسارا وشرخا في عمق الذات الجمعية ، مهما حاول المكابرة في إنكارها ، بحكم عقدة التفوق إياها، والتي ترسخت عميقا في وعيه ، بل سيكون بحاجة إلى من ينقذه من نفسه ، ومن حالة التناقض التي اخذ يعيشها، وبخاصة "بعد ان تذهب السكرة وتأتي الفكرة"!
ثالثا: لقد أثبتت ألاحداث الأخيرة هشاشة الحالة الاسرائيلية في الحرب الطويلة متعددة الجبهات، والتي لم ينقذها من الأخطار الوجودية التي واجهتها سوى التدخل السريع من قبل الحلفاء الاستراتيجيين في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي المرة الثانية بعد تجربتها في حرب اوكتوبر عام ١٩٧٣، حين هبت هذه الدو ل إياها لانقذها من هزيمة كادت ان تحل بها. مع الفارق في الحالتين والمتمثل في ان الأولى كانت مع جيوش تقليدية ، اما الأخيرة فلم تكن متكافئة بين دول وجيوش، بل مع تنظيمات وتشكيلات خاضت معها حروب العصابات الاستنزافية. اي أن هذه الحرب قد أكدت بشكل لا يقبل التأويل، أن إسرائيل مدينة للغرب في وجودها وقوتها، وأن احتلالها وغطرستها وعربدتها في عموم منطقتنا ، حالة لا يمكن أن تستمر ، لولا "الحبل الصري" الغربي الذي يغذي جنون القوة المنفلت من اي ردع او عقاب على مدار السبعة عقود الماضية.
رابعا: لقد كشفت ألاحداث الأخيرة ان الولايات المتحدة والغرب عموما قادرون ، اذا ما توفرت الارادة، على لجم عدوانية اليمين الاسرائيلي- التوراتي، وهذا لن يتم ما دام هذا الغرب الجماعي لم يشعر باي اخطار تهدد مصالحه الهائلة في المنطقة العربية والاقليم عموما. وهنا،وعربيا، يمكن الإشارة إلى أن الصراع العالمي المحترم بين العملاقين: الأميركي والصيني، وكذا تشكل مراكز القوى الجيو-سياسية والاقتصادية الجديدة،يمثل فرصة مناسبة عربيا، لاستغلال هذا الواقع وموازين القوى قيد التشكل، في فرض التوازن المطلوب في حالة المصالح المتناقضة، انطلاقا من الثقل العربي في جدلية الاستقرار والتنمية ذات الارتباط المباشر ، والتي لن تتحقق في ظل استمرار هذا الواقع.
خامسا: اما الحديث عن اليوم التالي للحرب فيجب ان ينصب على ما اتفق عليه عربيا ، في مؤتمر قمة المنامة، في عقد مؤتمر دولي للسلام لوضع آلية محددة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، والذي سيؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧ ، اي أن يعود ملف القضية الفلسطينية إلى مكانه الصحيح لتتحمل المنظمات الاممية دورها في تحقيق العدالة والسلم العالميين ، وهو تماما، ما عناه جلالة الملك عبد الله الثاني في خطابه الاستثنائي والتاريخي الذي القاه في اجتماع هيئة الامم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي .كما أن استعادة الامم المتحدة لدورها الحقيقي الذي تأسست من أجله، يعد البديل الطبيعي لنهج الراعي الدولي الأوحد والمفاوضات العدمية التي استمرت لثلاثة عقود ، والتي لم تنتج سوى المزيد من مصادرة الاراضي الفلسطينية ،وتكثيف الاستيطان، وصولا الى الدولة اليهودية النقية وتهجير الفلسطيني عن أرضه التاريخية.
هذه هي المعادلة السليمة التي يمكنها ان تعيد الحقوق وتحقق السلام ، وخلاف ذلك ستستمر دوامة الصراعات والحروب ، التي لن تجلب الأمن والاستقرار والسلام لشعوب المنطقة والعالم.
"الرأي"