تحكم أم شراكة في الزواج .. رد علمي على صراع الجنسين
د. أحلام ناصر
15-10-2024 04:46 PM
وصلني فيديو من أحد الأصدقاء يناقش موضوع "من يتحكم في الآخر في العلاقة الزوجية؟" يبرز تساؤل يتكرر كثيرًا في المجتمعات: من له السيطرة؟ الرجل أم المرأة؟ حقيقة أن التركيز على فكرة التحكم يعزز الصراعات بدلًا من التعاون، ويبني صورة نمطية ليست بالسليمة وتؤثر على بناء الاسرة للأجيال القادمة. وللإجابة عن هذا التساؤل، يمكننا اللجوء إلى النظريات العلمية لفهم ديناميكيات العلاقات الزوجية بشكل أعمق وأكثر موضوعية.
الصراع على القوة: منظور "نظرية الصراع"
يمكن تفسير موضوع التحكم بين الزوجين من خلال نظرية الصراع (Conflict Theory)، التي صاغها كارل ماركس لتوضيح الصراعات التي تنشأ بسبب السعي المستمر للحصول على السلطة. النظرية تشير إلى أن العلاقات الاجتماعية – بما في ذلك العلاقات الزوجية – لا تخلو من التنافس على القوة والسيطرة. في إطار الزواج، قد يحاول أحد الشريكين فرض نفوذه على الآخر لفرض وجهات نظره أو اتخاذ القرارات المهمة. هذه الديناميكية يمكن أن تؤدي إلى توترات مستمرة وصراع على من يتحكم.
وفقًا لنظرية الصراع، فإن الهيمنة في العلاقة قد تكون نتيجة لتوزيع غير متساوٍ للموارد (مثل المال أو القوة الاجتماعية) أو الأدوار التقليدية التي تُعطى لأحد الأطراف. على سبيل المثال، في المجتمعات التي تمنح الرجال سلطة أكبر في اتخاذ القرارات، قد يُنظر إلى الرجل على أنه المتحكم الطبيعي في الأسرة. وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى توترات داخل العلاقة حيث تشعر المرأة بالضعف أو التهميش، وهو ما يعزز الصراعات بدلًا من بناء علاقة قائمة على الشراكة.
في هذا السياق، يجب التحول من فكرة الصراع إلى الشراكة وتوازن القوة داخل العلاقة. ففي بعض الأحيان قد يبدو أن الصراع هو الخيار الوحيد لتحقيق التوازن، لكن في الحقيقة، الحل ليس في استمرار التنافس على السيطرة. بل تؤكد النظريات أن التوازن الحقيقي يكمن في توزيع السلطة والمسؤوليات بشكل متساوٍ بين الشريكين، بحيث يُحترم كل منهما وتُراعى حقوقه واحتياجاته. هذا النهج يخفف من التوترات ويعزز التعاون المتبادل، مما يساهم في بناء علاقة صحية وطويلة الأمد.
حيث في إطار العلاقات الزوجية، قد يحاول أحد الشريكين فرض سيطرته على الآخر من أجل تأمين مصالحه الشخصية، سواء كان ذلك من خلال القرارات المالية، توزيع الأدوار المنزلية، أو حتى في جوانب الحياة اليومية. هذه الديناميكية تخلق توترًا وصراعًا مستمرًا بين الشريكين. السيطرة في العلاقة يمكن أن تؤدي إلى اختلال في التوازن، حيث يشعر أحد الشركاء بالضعف أو التهميش، مما يؤدي إلى زيادة التوتر والنزاعات في العلاقة
بدلاً من التركيز على من يتحكم، يجب أن يعتمد الأزواج على التفاهم والتواصل المتبادل. العلاقات الزوجية الناجحة تعتمد على الشراكة، حيث يُسهم كلا الطرفين في اتخاذ القرارات وإدارة حياتهم المشتركة. ومن خلال توزيع الأدوار والمسؤوليات بشكل عادل، يمكن للشريكين تحقيق توازن يحسن جودة الحياة ويقلل من الصراعات.
تدعم نظرية الأدوار الاجتماعية (Social Role Theory) تفسير الصراعات بين الازواج، حيث تشير إلى أن الأدوار الاجتماعية المحددة لكل جنس تؤثر بشكل كبير على كيفية تفاعل الزوجين مع بعضهما البعض. المجتمعات غالبًا ما تفرض على الرجال أدوار القيادة والسيطرة، بينما يتم تشجيع النساء على تبني أدوار أكثر تعاونًا ورعاية. لكن، مع التطورات الاجتماعية، يجب أن يتحول هذا التصور نحو علاقة تقوم على الشراكة الفعلية بين الزوجين، حيث يكون كلاهما مسؤولين عن تحقيق النجاح والاستقرار.
الخاتمة: قوة الشراكة والتفاهم
في النهاية، إن التركيز على من يتحكم في العلاقة الزوجية يُبعدنا عن الهدف الأساسي، وهو بناء علاقة قائمة على الاحترام والتفاهم المتبادل. نظريات الصراع والأدوار الاجتماعية تساعدنا على فهم الجذور العميقة لهذا الصراع، لكنها تؤكد أيضًا أن الحل يكمن في بناء توازن صحي بين الشريكين.
بدلاً من البحث عن السيطرة، يجب أن يكون الهدف هو تعزيز الشراكة والتواصل، حيث يشعر كل طرف بالقوة والتقدير ضمن العلاقة، مما يضمن السعادة والنجاح للطرفين.