اسامة المسلم .. روائي من طراز مختلف
د. صبري ربيحات
15-10-2024 11:40 AM
مع نهايات القرن العشرين اصيب القارئ العربي بحالة من الضجر بعدما رحل جيل الكتاب الاوائل وتلاشى الشغف للقراءة. لفترة وجيزة ظننا ان الأقلام جفت وان لا متعة فيما يعرض على رفوف المكتبات ومعارض الكتب حتى اننا أصبحنا نلاحق بقايا الروايات الصادمة كاعمال فاطمة المرنيسي واحلام مستغانمي ونوال السعداوي بعناوينها الجريئة الخارقة لجدران الصمت والوجدان العربي..
لقد خبأ الوهج الذي حملته الاعمال الأدبية الكلاسيكية التي اشغلت اجيال النضال والتحرر والنهضة وشهد الفضاء الثقافي العربي ولادة عدد من الاعمال الادبية التي رسمت حدود وملامح ولون المنتج الثقافي لتلك المرحلة.
حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي هيمنت اعمال المنفلوطي وقاسم امين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وشوقي والسمان وميخائيل نعيمة ومن عاصرهم على مخيال المثقف العربي وشكلت ذائقتهم الأدبية ومرجعياتهم في الحكم على ما يستجد من اعمال وروايات الى ان فجرت الحداثة وما بعدها ينابيع من الاعمال التي ولدت معشقة بأشكال من الرفض والتمرد اما على الآباء المؤسسين او على المجتمع وكل ما فيه من الأدوية والتدين والتابوهات.
وسط كل هذا اتخذ الكثير من الشباب والقراءة منحى تغريبي وتعمقت حالة الانسحاب مما يمت للواقع ويرتبط بالتراث ليجدوا انفسهم في فضاء بعيد لا يرتبط كثيرا بمحيطهم الفيزيائي ولا الثقافي.
اليوم شيئا فشيئ يتغير هذا المشهد ليجد القارئ والشاب العربي يعود للتواصل مع المكان والتراث والانسان ويجد جنسيته الثقافية بعدما اصطدم بسيل من الاعمال الروائية التي تحاكي أفكاره وتعبر عن معاناته وتسقط الكثير من الخبرات الانسانية والتجارب على المكان وتصلها بالزمان لتحيي التراث وتنفذ الى الوجدان.
في جملة الأعمال التي كتبها اسامة المسلم وجيل من الكتاب الذين ادركوا فقر مكتبتنا العربية للاعمال التي تتفهم حاجات الجيل العربي الجديد للقراءة وتطرح المضامين والقصص التي يمكن لهذا الجيل فهمها والتجاوب معها في سياق عربي تأسيس لمرحلة جديدة تؤسس لنهضة ثقافية عربية شاملة تنحسر فيها المسافات بين الاجيال ويتنامى فيها الحس بالانتماء الى ثقافة عربية شكلت نبراسا اخلاقيا للبشرة على مر التاريخ.
الكاتب العربي والروائي السعودي اسامة المسلم كان ضيفا على الاردن خلال الأيام الثلاثة الماضية لحضور حفل توقيع لبعض مؤلفاته التي اصبحت من بين المؤلفات الاكثر رواجا في العالم العربي . التزاحم والتدافع الشبابي الذي حصل أثناء توقيع الكتاب ظاهرة ملفتة تقدم شهادة حية على عودة الشباب للقراءة وعلى نجاح المؤلف في منح الكلمة والرعاية قوة تأثير وإثارة لا نراها الا في الحفلات التي يحييها نجوم الغناء والراب والسينما .
لا اعرف سببا اكثر وجاهة لنجاح اسامة المسلم في اختراق سوق الكتب والروايات العربية من انه كاتب يملك موهبة اصيلة وفهما عميقا لثقافتنا العربية وموروثها الأخلاقي والإنساني ومحاولته الجادة لانسنة الشخوص والاحداث وتجريدهم من كل اشكال القسوة والشيطنة والتعصب .
في روايته الوليمة التي أشرت اليها قبل ايام في مقال نشر على صفحتي حاول اسامة المسلم الكتابة تحت هذا العنوان ووصف مجتمع افتراضي ابطاله أصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي . في محاولته المزج بين الأخوة والصداقة تجاوز المسلم في خياله التفكير والتوصيف التقليدي للعلاقات لتقديم نماذج جديدة تتجاوز المألوف.
اليوم كان لي شرف لقاء الكاتب المسلم بصحبة عدد من المثقفين و بدعوة كريمة من بعض الأصدقاء لنتحدث عن اوضاع الأدب العربي ورواياته ..وقد مررنا سريعا على شذرات من إنتاجه الروائي والادبي الغزير (بساتين عربستان وملحمة البحور السبعة وخوف ١ و٢ و٣. والدوائر الخمس ووهج البنفسج ومخطوطات مدفونة وعصبة الشياطين ورياح هجر و عرجاء والساحرة الهجينة القريبة ....الخ ) واتحفنا الحضور بمداخلاتهم وتعليقاتهم ...
الشكر للأستاذ مهند البكري مدير الهيئة الملكية للأفلام الذي خصني وزوجتي السيدة نسرين بهذه الدعوة وتحية للاديب والروائي العربي اسامة المسلم على الاعمال التي كشفت لنا عن ذائقة جديدة للشباب العربي في القراءة وعلى جهده الذي أغنى مكتباتنا وشحذ نفوسنا وخيالنا لنرحل خارج الزمان والمكان.