المرحلة الراهنة التي ظهرت معالمها وتداعياتها مع بداية العام الحالي، معبرا عنها في الثورات العربية الشعبية، ساهمت في تغيير نظرة دول المنطقة تحديدا إلى مسألة حقوق الإنسان، التي أصبحت من أهم المسائل تداولا على الساحتين الاقليمية والدولية. وما ساعد على ذلك الثورة التكنولوجية في عالم الاتصالات والمعلومات ووسائل الاعلام، التي جعلت من العالم قرية كونية صغيرة، وجعلت انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها بعض دول المنطقة ضد مواطنيها تحت بصر العالم وسمعه . إذ لم تعد حدود الدولة وسيادتها سدا منيعا في وجه مثل هذه الانتهاكات. الامر الذي سبق واكد عليه الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة عندما تحدث عن زوال السيادة المطلقة للدول، مطالبا بايجاد توافق بين الحكم الداخلي ومقتضيات القانون الدولي في حماية حقوق الإنسان.. وإيجاد توازن بين احتياجات الحكم الداخلي الجيد ومتطلبات عالم يزداد ترابطا يوما بعد يوم.
وسبق ايضا ان ذكر الأمين العام الأسبق دي كويلار بأن « سيادة الدولة لم تعد حصنا منيعا تتستر وراءه لانتهاك حقوق الإنسان .. وأن حماية حقوق الإنسان أخذت الآن تشكل إحدى الدعامات الأساسية لقنطرة السلم. وأن هذه الحماية تقتضي في الوقت الحاضر ممارسة التأثير والضغط بشكل متضافر على الصعيد الدولي عن طريق المناشدة أو العقاب أو الاحتجاج أو الإدانة وكحل أخير، إقامة وجود منظم للأمم المتحدة بأكثر مما كان يعتبر جائزا بموجب القانون التقليدي .. وأن الاهتمام الدولي متزايد في إيجاد نظام عالمي جديد لحقوق الإنسان، وأن كل محاولة للوقوف ضد هذا التحول ستكون غير حكيمة من الناحية السياسية، ولا يمكن محاولة الدفاع عنها أخلاقيا « .
كذلك سعت بعض الاتجاهات الراهنة إلى تحقيق المزيد من الاهتمام بحقوق الانسان عبر ربط المساعدات والمعونات من قبل الدول المانحة والهيئات المالية الدولية، بالممارسات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. إذ أصبحنا نلاحظ نهجاً واضحاً تتبناه الدول المتقدمة يظهر في سياستها الخارجية نحو إملاء الإصلاحات السياسية، وإنها في علاقاتها الخارجية تسعى لدفع الدول الأخرى وتشجيعها للأخذ بالنهج الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان. وقد اصبح يطلق على هذا التأثير الدولي الذي أخذت تمارسه الدول الصناعية المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية، لغرض الدفع بالاهتمام بحقوق الانسان المشروطية السياسية . ما يؤكد أن استخدام سلاح المعونات والمساعدات من قبل الدول الغربية المانحة، والهيئات المالية الدولية يعد وسيلة ذات شأن من حيث التأثير في التحولات الديمقراطية والاهتمام بحقوق الإنسان في دول العالم الثالث ودول المنطقة تحديدا . فعلى سبيل المثال اعتمد الاتحاد الأوروبي ضرورة تضمين أية اتفاقية للمشاركة مع هذه الدول، تعهدها باحترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والنص على عالمية هذه المبادىء .
(الرأي)