ماذا يعني النصر بالنسبة لاسرائيل التي باتت تتحدث عنه كثيراً وتكرر التهديد به على السنة قادتها السياسيين والعسكريين، وفي المقابل ماذا يعني النصر بالنسبة لحزب الله في شمال فلسطين ولحماس في جنوبها ؟
ليس بالضرورة ان تنتهي كل حرب بالنصر، الا أن أعظم الانتصارات تلك التي تتكلل بعد حروب التحرر والاستقلال عندما تدحر عدوك وتستعيد ارضك وتلحق الهزيمة بالباغي ثمناً لعدوانه واحتلاله، هذا ما كان يعنيه النصر بالنسبة للاوروبيين عندما اجتاحت المانيا الفاشية اوروبا ونكلت بشعوبها، وهذا ما يعنيه النصر بالنسبة لأي فصيل فلسطيني او لبناني مقاوم للاحتلال وحالم بالحرية، اما بالنسبة لاسرائيل والاسرائيليين فلا نصر ولا نهاية لحروبهم الا باستعادة الحقوق وعودة الارض لاصحابها، فلا الاستيطان نصراً ولا قتل الاطفال الفلسطينيين وتدمير المنازل وتجويع الناس يعني الانتصار، فما من نصر لاسرائيل ابداً.!
حدود النصر بالنسبة للفوهرر هتلر لم تكن معروفة ولا مفهومة، لكن المؤرخون لحقبة النازية يرون انه كانت له طموحات اجرامية في شبابه قبل ان يصبح قائداً للحزب النازي باستعباد اوروبا واخضاعها لألمانيا، فلم يعترف بالحدود بين الدول وكلما احتل دولة ضمها الى الحظيرة الالمانية ومسح حدودها من خريطة العالم، وفي نهاية الأمر وبعد الكثير من التضحيات والبطولات الاوروبية انتهت طموحاته بانتصارالحلفاء وهزيمة المانيا الفاشية وانتحاره في احد الأقبية.
اسرائيل كأحد المخرجات الثانوية لانتصار الحلفاء على المانيا أخذت بالتجربة النازية، فاسرائيل اليوم وبعد أكثر من سبعين سنة على انشائها كيان بلا حدود، لقد حرص زعماء الصهيونية على عدم رسم حدود واضحة لها، وانما خرائط متغيرة تختفي منها الحدود نهائياً في بعض الاحيان، وفي احايين أخرى تمتد هذه الحدود لتبتلع عدة دول في المنطقة، اما نتنياهو فمثله مثل هتلر كانت له في شبابه طموحات بقيام اسرائيل الكبرى والتي هي ايضاً مجهولة الحدود، وتبين انها لم تكن مجرد طموحات واحلام شاب يهودي ينتمي الى عائلة لم تعرف اسرائيل ولم تحلم يوماً بقيامها، وانما عقيدة اجرامية أوصلته الى زعامة حزب شبيه بالحزب النازي الذي تولاه هتلر، مما اعطاه السلطة والقوة لشن اولى حروبه على اتفاقية اوسلو لكي يتخلص من اي قيد قد يكون سبباً في ايقاف طموحاته ولرفع الحرج عن الدول الراعية لمسيرة السلام، تماماً كما فعل هتلر قبل أكثر من ثمانين سنة عندما الغى جميع الاتفاقيات التي ابرمتها المانيا مع دول الجوار الاوروبي، ومع الاتحاد السوفيتي ثم زحف بجيشه غرباً وشرقاً واستولى على الدول الاوروبية واحداً تلو الاخرى.
لم يسبق لقادة اسرائيل في الحروب السابقة ان تحدثوا عن النصر، فهذه لغة العرب بعد كل هزيمة لهم، لكن نتنياهو اليوم ومعه زمرة من الحلفاء في حكومة المتطرفين يكثر من تكرار النصر في جميع تصريحاته، فما هو الانتصار الذي يريده نتنياهو، وما هي حدود النصر المطلوب تحقيقه من هذه الحرب، هل هو القضاء على حماس وحزب الله وتدمير مفاعلات ايران النووية، ام أكثر من ذلك بكثير، وماذا بعد القضاء على حماس وحزب الله وجميع التنظيمات والفصائل ( الارهابية ) التي تقاوم لكي تحرر الارض المغتصبة،ووعندما لا يبقى في الساحة غير التنظيمات المعتدلة وفي مقدمتهم منظمة التحرير الفلسطينية.!؟، هل بعد ذلك سترسم اسرائيل حدوداً واضحة لها وتسمح بقيام دولة فلسطينية الى جانبها وينتهي الصراع ؟
هذا السؤال موجه للدول والتنظيمات التي تشاطر اسرائيل الرغبة بالانتصار على حماس وحزب الله لتنهي وجودهما، وعليها بدورها ان تطرح نفس السؤال على الولايات المتحدة والدول التي تقدم لاسرائيل مصادر القوة كي تعربد في المنطقة وتقتل وتدمر وتتوسع، وأكثر من ذلك، على هذه الدول ان تطلب ضمانات بأن نهاية حماس وحزب الله وكل اشكال المقاومة سيكون بداية نهاية حرب الابادة على الشعب الفلسطيني وقيام دولته الى جانب اسرائيل لتنعم المنطقة بالسلام، اليس من البديهي ان يكون للاعتدال ثمنه، فكيف اذن لا يكون هناك ثمن مقابل صفقة بحجم انهاء أكبر وأقوى تنظيمين عسكريين في المنطقة ويمثلان رأس الحربة في مواجهة اسرائيل الدولة غير معروفة الحدود..!
نعرف ان النصر بالنسبة لحزب الله وحماس هو واحد، نهاية الاحتلال والتحرر واقامة دولة فلسطينية وقد تكون هناك اهداف أخرى، لكننا ابداً لا على مستوى الدول ولا مستوى المواطن العربي نعرف ما هي حدود النصر الذي تريده اسرائيل وتحشد الولايات المتحدة من اجله البوارج الحربية وتقام الجسور الجوية لنقل الاسلحة من القواعد الغربية الى اسرائيل لضمان تحقيقه، هل يعقل ان هذا كله من أجل النصر على حماس وحزب الله وحسب ؟