هكذا نعلم .. أن وعودكم لن تبقى حبراً على ورق
محمود الدباس - ابو الليث
14-10-2024 09:14 AM
منذ عقود ونحن نعيش حالة من الترويج الإعلامي لمشاريع وخطط حكومية تحت عناوين لامعة.. يتم تسويقها.. وكأنها عصا سحرية لحل جميع المشاكل الاقتصادية والإدارية التي تعاني منها البلاد.. ومع ذلك.. ما يلبث المواطن أن يكتشف أن هذه الوعود الكبيرة.. لا تتجاوز كونها مجرد حبر على ورق.. بعيدة عن الواقع العملي.. الذي يُحدث تغييراً ملموساً في حياته اليومية.. فلا يجد سوى الإحباط أمام نتائج غامضة.. أو غائبة تماماً.. وما يزيد الطين بلة.. هو غياب الشفافية في إعلان التوقيتات المحددة لهذه المشاريع.. فلا أحد يعلم متى ستنتهي.. أو كيف ستتحقق وعودها.
الخطط الاقتصادية والإدارية.. لا يمكن أن تحقق أهدافها بدون مؤشرات أداء واضحة.. وهذا ما يغيب تماماً عن المنهجيات التي تتبعها حكوماتنا المتعاقبة.. فإن كانت الخطة بلا جدول زمني محدد.. وبلا معايير لقياس النجاح أو الفشل.. كيف يمكننا أن نثق بأنها ستتحقق؟!.. الحكومات التي تتبنى منهجيات علمية.. تعتمد على مبدأ مؤشرات قياس الأداء القابلة للتطبيق.. تمتلك دائماً القدرة على تحديد الأهداف بوضوح.. وتحاسب المسؤولين عن التنفيذ.. هذا هو ما نفتقده.. نظام محاسبة شفاف.. وقادر على معالجة التأخير أو حتى الفشل الكامل في تنفيذ المشاريع.
النظريات الاقتصادية والإدارية الحديثة.. تشدد على أهمية الربط بين الأهداف الاستراتيجية.. وتطبيقات الأداء اليومي.. فلا يمكن لأي دولة أن تنهض بدون تخطيط علمي.. مرتبط بالتنفيذ على أرض الواقع.. وتجربة الدول المتقدمة خير دليل.. حيث نجد أن الدول التي اعتمدت على مؤشرات قياس الأداء.. مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية.. قد حققت نقلة نوعية في اقتصادها.. ورفعت مستوى معيشتها.. رغم أنها لم تكن تمتلك موارد طبيعية هائلة.. لكنها ركزت على إدارة دقيقة.. ومتابعة صارمة للنتائج.. الأمر الذي أكسب شعوبها ثقة بالحكومة.. وشعوراً حقيقياً بتحسن الحياة.
الحوكمة الرشيدة ليست مجرد إطار تنظيمي.. بل هي منظومة متكاملة.. تقوم على الشفافية والمحاسبة.. فلا يمكن أن نتصور نجاح أي خطة.. بدون آليات رقابة صارمة.. وهذا يتطلب أن تكون جميع المشاريع الحكومية قابلة للقياس.. وأن تُعلن نتائجها بوضوح وبشكل دوري.. وبدون هذا الالتزام.. فإن أي خطة تصبح مجرد وهم.. تخلق فجوة عميقة بين الحكومة والمواطن.. وتزيد من مشاعر الإحباط وتعمق انعدام الثقة.
تجارب العديد من الدول التي سبقتنا في تطبيق الحوكمة العلمية ومؤشرات الأداء.. تعطي دروساً بالغة الأهمية.. دولة مثل إستونيا على سبيل المثال.. والتي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفييتي.. استطاعت خلال عقدين من الزمن.. أن تصبح من أقوى الدول إدارياً واقتصادياً.. بفضل اعتمادها على مؤشرات أداء دقيقة.. ومتابعة مستمرة للنتائج.. فلم تترك الأمور للصدفة.. بل وضعت خططاً مفصلة.. ومراقبة على كل مرحلة من مراحل التنفيذ.
من جانب آخر.. نحن بحاجة إلى الاستفادة من التجارب الناجحة للدول التي تشبهنا في الظروف والتحديات.. الأردن قادر على أن يتعلم من تجارب دول مثل ماليزيا.. التي ركزت على التعليم والإدارة العلمية.. حيث استطاعت أن تحول نظامها الإداري إلى أحد أكثر الأنظمة كفاءة في العالم.. وتجنبّت بذلك تفشي الفساد الإداري والمالي.. لأن المنهجية العلمية لا تترك مجالاً للتسيب.. فهي تعتمد على أرقام ونتائج.. وليس على وعود فضفاضة.
الفساد الإداري هو العدو الأول للتنمية الاقتصادية.. ويزداد عندما تغيب الحوكمة الصارمة.. ولذلك فإن تطبيق مؤشرات قياس الأداء يصبح ضرورياً في كافة مستويات الإدارة الحكومية.. فالمسؤول الذي يعلم أن عمله سيتم تقييمه بشكل دقيق.. لن يغامر بتجاهل مهامه أو تأخيرها.. بل سيبذل كل ما في وسعه لتحقيق الأهداف المرسومة.. وهذا بدوره سينعكس إيجابياً على ثقة المواطن بحكومته.. وسيساهم في تقليل مستويات التذمر والانتقاد.
أخيراً أهمس في اذن أصحاب القرار.. لا يمكننا الحديث عن التنمية الاقتصادية.. وتحسين مستوى المعيشة.. ومحاربة الفساد بأنواعه.. بدون الحديث عن المحاسبة.. فالمحاسبة ليست مجرد إجراء إداري.. بل هي جزء أساسي من بناء الدولة الحديثة.
ويقيناً.. فإن الدول التي تعتمد على الشفافية في إعلان نتائج مشاريعها.. وتحاسب المتأخرين عن التنفيذ.. هي الدول التي تكسب ثقة مواطنيها.. وترتقي إلى مصاف الدول القوية.. إدارياً واقتصادياً.