لقد ساهمت الحروب في تطوير عدد من العلوم ومن هذه العلوم علم النفس العسكري وتطبيق أسسه ومبادئه في الحياة العسكرية لزيادة انتاجية الجنود ومعرفة قدراتهم وامكانياتهم وقوة صلابتهم النفسية ليكون الجندي المناسب بالمكان المناسب ، كما يعنى بمعرفة الامراض النفسية التي قد يصاب بها الجنود لتقديم المساعدة لهم ولعائلاتهم في الميدان وخارجه، ويصمم علم النفس العسكري برامج نفسية واجتماعية لقضايا حساسة بالجيش للحد من العنصرية والاعتداءات الجنسية وحالات الانتحار بداخله، وتخليص الجنود من الادمان على الكحول والمخدرات وبناء نمط حياة جديد، ومساعدة ذوي القدرات المنخفضة . كما يبحث علماء النفس العسكريين في مصادر الخلاف الزوجي بين العائلات العسكرية. حيث تضع الحياة العسكرية بكل مكان ضغوطًا فريدة على الأفراد وعائلاتهم.
إن الجيوش تحتاج المعالجين النفسيين المتخصصين في الشأن العسكري لما يتمتعون به من تدريب كاف واستثنائي على التصرف بأوقات الحاجة لتقديم مساعدات نفسية متخصصة للجنود في أرض المعركه بما يسمى علم النفس العسكري التكتيكي. وقد يكونوا هؤلاء العلماء ضباطا أو مدنيين بنفس الجيش، كما يعملوا على فحص ومتابعة الأفراد العسكريين المطلعين على معلومات سرية بحثًا عن تعقيدات نفسية داخلهم قد تجعلهم يشكلون خطرًا أمنيًا على الجيش وعلى أنفسهم، واعتمد علم النفس العسكري في أحيانا كثيرة على نظرية سمات الشخصية، ودراسة السمات الخاصة بالملتحقين بالخدمة العسكرية وترتيب وظائفهم ومهامهم التي تتناسب مع أهداف الحرب والآلية العسكريه، بل كان علم النفس العسكري يتدخل في بيئة المجندين ليخلق منهم شخصيات معينة ويتدخل في تحديد سماتهم لتحقيق أهداف عسكرية معقدة .
عند الحديث عن علم النفس العسكري يتبادر للذهن الحرب النفسية، ويعتقد أنها اختراع حديث، لكنها استخدمت من أيام ما قبل التاريخ، لكن هذا المصطلح استخدم لأول مرة في الحرب العالمية الثانية من قبل القيادات العسكرية والسياسية، وتم استخدام الحرب النفسية كسلاح اضافي بالإضافة إلى أسلحة المعركة البرية، والبحرية، والجوية، والسياسية والاقتصادية، وأضيف هنا الأسلحة الالكترونية والرقمية في يومنا هذا، لكن جريمة الحرب النفسية التي يقوم بها علماء نفس الحربية والعسكرية هذه الأيام لا يوجد محكمة عدل دولية تبث بها قانونيا رغم أنها تقوم بعمليات سوداء ومضللة ومغلوطة لإثارة البلبلة والسيطرة على الرأي العام لإضعاف شوكة الطرف الآخر، وقد عرفت بمسميات كثيرة كالحرب الباردة ، وحرب الأعصاب ،الحرب الايدولوجية ، والعدوان الغير مباشر ...وغيرها، فهي تشمل التهديد بالقوة ، بث الذعر وإطلاق الشائعات، التحقير من قوة الطرف اللآخر ، الإغراء والتضليل و الاخلال بالاتفاقيات والتحايل عليها ، ونشر الخلافات الدينية والعقائدية بين المجتمعات كما يحصل مع الذباب الالكتروني على سبيل المثال .
يكمن الاستخدام الغير أخلاقي لعلم النفس عندما يشكل هذا الاستخدام خطرا على الوجود الانساني، فمثلا يستخدم علماء النفس العسكريين استراتيجيات الارهاب كشكل من اشكال الحرب النفسية في الحروب لتخويف الشعوب وخلق حالة من الخوف من الموت والتشويه والضياع والتجويع لتحقيق اهداف سياسيه معينة للأجهزة العسكرية، وهذا بدوره يتطلب علماء وخبراء بخلق حالة من الظروف النفسية المهددة بالعنف الاستثنائي للطرف الآخر، أن علم النفس العسكري سيكون العلم الحاسم في الحروب. فالدول التي تتبنى علم النفس وتتجه إليه لتحسين الاختيار العسكري والتدريب وصنع القرار والمرونة والقيادة والفهم الثقافي ستنجح مقارنة بالدول التي تركز فقط على بناء أسلحة أكبر وأكثر فتكًا.
raniareena@yahoo.com