العراق : انقلاب عسكري مبرمج أو عودة للنظام الملكي?
مصطفى ابولبده
23-01-2007 02:00 AM
لم يعد يزعج الحكومة العراقية ان يقال ان أيامها في السلطة باتت معدودة. فقد نقلوا ذلك
لرئيسها الدكتور نوري المالكي عن لسان وزيرة الخارجية الامريكية بقولها أنه - أي
المالكي - يعيش الآن في الوقت المستقطع, فكان رده هادئاً ان هذه المرأة تعطي للارهابيين
دفعة معنوية قوية. لكن رده الأقوى على انتقادات الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته جاء
بإعادة التيار الصدري للحكومة وبتعيين مدير جديد للمخابرات العراقية من خارج الكادر ومن
خارج الوسط وبمواصفات من شأنها ان تلهب مشاعر الغضب الامريكي الذي أصبح - كما تقول مجلة
نيوزويك - يخشى أن يكون العراق على وشك أن يتحول الى دولة مذهبية ملحقة بايران لكن ما يطمئن الحكومة العراقية بأن أيامها ليست معدودة, هو أن القوات الامريكية تحتاج
الى ما لا يقل عن منتصف العام الحالي حتى تتعزز عددياً بالقدر الذي يختبر تهديدات البيت
الأبيض ويختبر أيضاً قدرة هذه الحكومة على الوفاء بوعودها. ومن الآن وحتى منتصف العام
الحالي وقت طويل يحتمل الكثير من الشدّ والجذب, سواء داخل واشنطن او في المنطقة, بما
يعني ان كليهما, الرئاسة الامريكية والحكومة العراقية, يعيشان في الوقت المستقطع المخصص
للركلات الترجيحية غير المحدد عددها. كلاهما, بوش والمالكي يرتبط بالآخر ويتعكز عليه
وإن كان موقف الحكومة العراقية في النهاية أقوى, لأن اسقاطها عنوتة مسألة شديدة الخطورة
أو عالية الكلفة.
لم يعد دقيقاً القول أن الحكومة العراقية مجرد دمية بيد الاحتلال الامريكي يستطيع أن
يغيرها في أي وقت وبدون اي ثمن. فقد افرزت تطورات الاوضاع خلال السنوات الأربع الماضية
واقعاً عراقياً جديداً ليس من السهل تغييره حتى وإن تبدلت الوجوه الحكومية. فبغداد
الحالية بتركيبتها السكانية ليست بغداد التي يعرفها أهلها الذين هجروها. وكذلك هو الوضع
في الجنوب وفي الشمال وفي غرب العراق. ثم أن هناك دستوراً وبرلماناً وتشكيلات سياسية
وأمنية تعمل فوق الأرض وتحتلها على نحو لن يكون سهلاً على القوات الامريكية تغييره بدون
ثمن مرتفع. وهذه هي الغلطة الامريكية التي اقترفتها واشنطن عن جهل بحقائق التركيبة
العراقية, وجرى استدراجها اليها بالكثير الكثير من الدهاء الايراني المشهود له.
لقد اقترفت الادارات الامريكية المتعاقبة سلسلة طويلة من الأخطاء في الشرق الأوسط منذ
اواسط خمسينيات القرن الماضي. لكن اشد هذه الأخطاء وطأة واعمقها اثراً (بعد الاحتلال
الاسرائيلي لفلسطين) كان تسليم العراق لايران. فقد اعتقدت ادارة الرئيس جورج بوش أن
الدور الايراني في اسقاط نظام صدام حسين هو من قبيل مساعدة الولايات المتحدة في تحقيق
مصلحة مشتركة للطرفين. لكن الذي حصل هو أن تفكيك الدولة العراقية خلق فراغات كبيرة
ملأتها ايران بالأوراق والأسلحة السياسية والمذهبية والميليشيات والمؤسسات التي لن يكون
من السهل ازالتها أو استبدالها. وحتى لو استعانت واشنطن بدول الجوار العربية من اجل
تصحيح الخطأ والخلل الذي حصل في المعادلة العراقية الداخلية, فان ذلك لن يكون بكلفة
قليلة, وسيؤدي الى توسيع رقعة النيران العسكرية والطائفية, وسيستدرج ايضاً تركيا الى
ساحة المواجهة داخل العراق.
أكبر اخطاء الجهل الامريكي في تسليمهم العراق لايران, هو أنهم لم يقرأوا تاريخ المنطقة
ولم يعرفوا أن الكثير مما يحصل الآن هناك هو في حقيقته نفخ بالرماد القديم وإحياء
للثأرات التي عمر بعضها مئات السنين. كل ما فهمه جورج بوش من طريقة اعدام صدام حسين هو
أنه "تصرف سياسي غير ناضج". أما الاوروبيون الذين يعرفون المنطقة أكثر من الامريكان فقد
فهموا التصرف بسياقاته الثقافية والعاطفية والاجتماعية الحقيقية وهو أنه تصفية ثأرات
بعضها عمره عشر سنوات وبعضها الآخر عمره أكثر من الف سنة. كما فهموه في سياق الحساسيات
والحروب المتصلة بين ايران والعراق وما خالطها باستمرار من ملتبسات عرقية ومذهبية
وقومية ونفطية وسياسية بين بلدن جارين طالما حلم كل منهما بقيادة المنطقة على حساب
الآخر.
على أي حال, فان هناك ما يبرر الخشية من أن يكون الوقت قد فات على انقاذ العراق. وهذه
انطباعات لا أحد يستسيغ سماعها. لكنه الخطأ الامريكي الذي يحاولون الآن تداركه بقبضة
ضعيفة وفي وقت ربما كان متأخراً. فتغيير حكومة المالكي بحكومة أكثر توازناً وأقدر على
استقطاب السنة والبعثيين ويرأسها, مثلاً, إياد علاوي قد لا يكون حلاً كافياً في ضوء
موازين القوى على الارض. وإلغاء الدستور والكوتا الطائفية والتفكير بانقلاب عسكري مبرمج
وحكومة طوارئ متفق عليها قد يكون مخرجاً نظرياً لكن ثمنه لن يكون سهلاً. وحتى التفكير
باعادة العراق الى النظام الملكي الذي يرتقي فوق الطوائف والمذاهب والعشائر, وهو ما
تطرحه بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن, ربما اضحى الآن حلاً متأخراً بعد أن
كان بالامكان تطبيقه منذ البداية كحلّ مجرّب ليس فقط بالنسبة للدول التي يراد حمايتها
من التجزئة ومن الحرب الأهلية, وأنما ايضاً للدول الجمهورية التي تحولت الى النظام
الوراثي بقناعة أنه صيغة أقرب للوجدان العربي وأدعى للاستقرار.
عندما تكون الادارة الجمهورية في واشنطن ضعيفة داخلياً ولا تمتلك برنامجاً متماسكاً
ومقنعاً للعراق وللشرق الاوسط, فان من واجب أهل هذه المنطقة ان يتحسبوا للأسوأ. فضعف
واشنطن يغري المتشددين بأن يلاحقوها وأن يأخذوا زمام المبادرة الهجومية في إدارات
الملفات الثلاث الملتهبة بالعراق ولبنان وفلسطين, وهو ما بدأنا نشهده منذ الاسبوع
الماضي
mustafa@albaddad.com