يجمعنا جميعًا القاسم المشترك الأعظم وهو الوطن، والخوف من الحاضر والمستقبل. نعيش في واقع إداري معقد يفرض علينا التفكير في كيفية مواجهة التحديات التي تؤثر على أداء المؤسسات وقطاعات العمل.
في حديث مع أحد الأصدقاء، استعرت منه مصطلح “الكتلة الحرجة للتياسة” للتعبير عن حالة تراكم الأخطاء والقرارات السيئة التي تؤدي إلى شلل المؤسسات وتدهورها.
لفهم هذا المصطلح، يجب أن نبدأ بتعريف “الكتلة الحرجة”.
ببساطة، هي النقطة التي يصل عندها التراكم الكمي أو النوعي في النظام إلى مرحلة حرجة تحدث تحولًا جذريًا.
ففي الفيزياء، تشير الكتلة الحرجة إلى الحد الأدنى من المادة المطلوبة لبدء تفاعل نووي متسلسل.
أما في الإدارة، فالمصطلح يشير إلى الحد الأدنى من التغييرات أو الموارد اللازمة لإحداث تحول جوهري في ثقافة المؤسسة أو هيكلها.
وعندما نربط هذا المفهوم بـ”التياسة”، فإننا نتحدث عن حالة مؤسسية تتراكم فيها الأخطاء، الممارسات غير الرشيدة، والقرارات غير المدروسة، لتصل إلى نقطة تحول تؤدي إلى الجمود الإداري أو الانهيار الكامل.
هذه الحالة ليست مجرد نتيجة لسوء إدارة مؤقت، بل هي استدامة للأخطاء دون تصحيح أو مراجعة، مما يجعل الإصلاح صعبًا بدون تدخل خارجي جذري.
مكونات الكتلة الحرجة للتياسة:
1. القيادات غير الكفؤة: اختيار قيادات تفتقر إلى الخبرة والكفاءة.
2. الثقافة التنظيمية السلبية: ثقافة تعزز التستر على الأخطاء وعدم مساءلة المسؤولين.
3. غياب المحاسبة: فقدان آليات الرقابة والمساءلة.
4. استدامة الفشل: استمرار الفشل دون التعلم من الأخطاء أو تصحيح المسار.
عندما تتوفر هذه العناصر، يصبح من الصعب تغيير المسار الإداري، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، تراجع الخدمات، وانتشار الفساد المؤسسي. لذا، فإن تجاوز هذه الحالة يتطلب تدخلات قوية، مثل تعزيز الشفافية، تطوير نظم رقابية فعالة، واختيار قيادات مؤهلة.
كما يجب نشر ثقافة التعلم المستمر وتحفيز الابتكار لتجنب تكرار الأخطاء.
بعض علماء الإدارة مثل ماكس فيبر وبيتر دراكر تحدثوا عن أهمية الهيكل التنظيمي والقيادات الفعالة، لكنهم حذروا أيضًا من مخاطر الجمود المؤسسي والشلل البيروقراطي. لذلك، يجب أن يكون هناك وعي وتدخلات استراتيجية لإعادة توجيه المؤسسات نحو النجاح.
الخلاصة:
“الكتلة الحرجة للتياسة” تمثل تهديدًا حقيقيًا للمؤسسات، لكن بالوعي الكافي والتدخل المناسب، يمكن تجاوز هذه المرحلة وتحويل المؤسسات إلى كيانات فعالة ومستدامة.