facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




صخَبُ الشعارات وصَمتُ الدولة .. أيهما يخدعك؟!


محمود الدباس - ابو الليث
13-10-2024 01:14 AM

في ظل ما نشهده من صراعات فكرية وسياسية.. تتجلى أمامنا عقول مختلفة.. توجه مسار الأحداث.. ومن بين هذه العقول.. يمكننا التمييز بين عقل الدولة.. الذي يرتكز على منظومة معقدة من التوازنات والمحددات.. وعقل التنظيمات الثورية.. أو الحركات التي تُلهب الحشود بشعاراتها النارية.. التي تتغاضى عن التبعات المباشرة والجانبية لتصرفاتها.. وهنا يبرز الالتباس الذي يعاني منه المواطن العادي.. الذي ينجر في كثير من الأحيان خلف العاطفة.. دون إدراك للمخاطر التي قد تحيط بالواقع الذي يعيشه..

عقل الدولة يعمل وفق منهجية متكاملة.. تعتمد على ما يسمى بالواقعية السياسية.. حيث تُحسب كل خطوة بناءً على تأثيراتها القريبة والبعيدة.. فعلى سبيل المثال.. عندما يُطرح موضوع زيادة الرواتب.. لا يُنظر إليه كاستجابة لضغط الشارع فقط.. بل يُدرس تأثيره على الاقتصاد الوطني.. كالتضخم.. والقوة الشرائية.. والعوائد الضريبية.. فكل قرار يخضع لحسابات دقيقة.. لضمان التوازن بين مصالح الأفراد والمؤسسات.. لأن عقل الدولة يسعى لتحقيق استقرار شامل.. ولا يقتصر على الاستجابة اللحظية لمطالب قد تبدو ملحة..

في المقابل.. نجد أن عقل التنظيمات الثورية.. لا يعرف هذه القيود.. فهو عقل يتحرك بشعارات كبرى تحرك العواطف.. مثل إشعال الحروب.. أو دعم حركات التحرير.. دون أن يأخذ بعين الاعتبار التكلفة الباهظة التي قد تتحملها الدولة أو المواطن.. متناسين أن هناك دولاً كاملة.. قد تسقط تحت وطأة حرب طاحنة.. أو أزمة سياسية عميقة..

وهنا يمكننا النظر إلى أمثلة من واقعنا القريب.. فالربيع العربي.. الذي بدأ بشعارات تحررية رائعة ووردية.. أدى في دول مثل ليبيا وسوريا إلى الفوضى والدمار.. فبينما سقطت الأنظمة التي كانت تستهدفها تلك الشعارات.. ولم تتحقق الاستقرار أو الديمقراطية الموعودة.. بل دخلت هذه الدول في حروب أهلية.. وصراعات مستمرة.. وهنا يظهر بوضوح الفرق بين الشعارات التي تُطلق بلا قيود.. وبين العقلانية التي تسعى الدولة للحفاظ عليها مهما كانت الظروف..

الأمر لا يتوقف هنا.. فحتى في العراق.. وبعد سقوط النظام في 2003.. شهدنا كيف أن الشعارات التي وعدت بالديمقراطية والتحرير.. قادت البلاد إلى انهيار كامل.. فقد دُمرت البنية التحتية.. وانتشرت الفوضى.. وتحول العراق من دولة تملك استقراراً نسبياً.. إلى ساحة للصراعات الداخلية.. هذه الأمثلة تُظهر بوضوح أن الشعارات النارية قد تخدع الجماهير.. لكنها تؤدي في النهاية إلى نتائج كارثية..

في هذا السياق.. لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تشكيل العقول.. وتوجيه الرأي العام.. فالتنظيمات والشعارات الحماسية.. تتميز بسرعة انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. والإعلام الشعبي.. إذ تُستخدم عبارات قصيرة وجذابة.. تُثير العاطفة وتُلهب الجماهير خلال لحظات.. أما عقل الدولة.. فهو يعمل ببطءٍ مدروس.. ويحتاج إلى شروح وتحليلات مطوّلة.. وهو ما يجعله في معركة إعلامية غير متكافئة..
فالتنظيمات تسيطر على اللحظة.. فيما تجد الدولة نفسها متأخرة في تقديم خطابها الشامل والمتزن.. وهنا يظهر الفرق.. الدولة تعتمد على التعقيدات والحقائق طويلة الأمد.. بينما التنظيمات تستغل عاطفة اللحظة.. لتبدو أكثر تأثيراً على المدى القصير.. لكنها تقود في النهاية إلى نتائج مدمرة..

في المقابل.. نجد أمثلة من التاريخ تثبت أن الاندفاع خلف الشعارات لم يكن دوماً الطريق الأنسب.. في اليابان مثلاً.. والتي تأثرت بالخطابات الحماسية أثناء الحرب العالمية الثانية.. ودفعت ثمناً باهظاً بعد سقوطها المدوي.. اختارت بعد ذلك طريق العقلانية وبناء الاقتصاد بعيداً عن الحروب.. لتصبح واحدة من أقوى الدول الصناعية في العالم.. ويحسب لها الحساب.. وهذا على عكس الدول التي استمرت في الانجرار خلف الشعارات الثورية.. والتي عانت ولا تزال تعاني من الفوضى وعدم الاستقرار..

المواطن في النهاية.. هو من يدفع الثمن الأكبر.. فهو واقع بين مطرقة الشعارات الساخنة.. وسندان العقلانية الباردة.. ولهذا يجب أن تتوجه الرسالة إليه بشكل منطقي وعاطفي في آن واحد.. كي يدرك أن عقل الدولة.. رغم بطئه أحياناً.. هو ما يحفظ توازن الحياة واستمرارها.. بينما عقل التنظيمات.. قد يقود إلى هلاك لا يمكن الرجوع عنه.. فالنداء هنا ليس فقط للمنطق.. بل للعاطفة التي تُستغل دوماً في تزييف الواقع.. ويصبح المواطن حينها ضحية معركة غير متكافئة بين خطاب الدولة المتزن.. والشعارات الثورية التي تكتسب قوة سريعة عبر الإعلام.. بينما الدولة تخوض معركة بطيئة في إيصال رسالتها..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :