الغضب المقبل من المحافظات
د. باسم الطويسي
21-05-2011 04:16 AM
لا جديد في مشهد التنمية المحلية، سوى أن التراكم الكمي التاريخي للاختلالات في قدرات الدولة التوزيعية بدأ يتحول كيفيا وينتقل من العتب إلى الغضب، ومن التعبيرات المحلية السلبية إلى التعبيرات السياسية الجريئة، وهو الأمر الذي تعكسه أحوال المحافظات بكل وضوح هذه الأيام.
والمشهد خلال أسبوع واحد يكشف عن حجم الغضب والاحتقان وشدة التعبيرات المحلية. فالإهمال التاريخي، كما وصفه رئيس الوزراء، الذي عانت منه الطفيلة انفجر في زيارة الرئيس للمدينة التي ندر أن يصلها مسؤول، ما دفع الناس لاعتراض الموكب الرسمي. وبينما صب الناس جام غضبهم على أداء المحافظ، ما يكشف عن عقدة جديدة تضاف إلى أزمة الفجوة التنموية المعقدة وتتمثل في أزمة الإدارة المحلية، قام شاب آخر باستعراض داخل مبنى محافظة معان مدعيا نيته تفجير نفسه بحزام ناسف قيل إنه وهمي، ومطلبه التعجيزي توفير عمل له. وكان والد الشاب نفسه قد أحرق نفسه قبل شهر أمام رئاسة الوزراء احتجاجا على أوضاعه المادية.
أشكال التعبيرات الغاضبة المقبلة من المحافظات تتعدد، وجميعها تعبر عن الأزمة المزمنة التي لم تجد إلى هذا الوقت خطة طوارئ وطنية جادة. والمقصود خطة طوارئ تنموية، وليس طوارئ أمنية كما تعودت الحكومات.
التعبيرات الغاضبة المقبلة من بلدات وقرى الديسة ورم والقويرة لا تختلف أبدا عن التعبيرات السابقة، وفي بعضها تبدو الاختلالات أعمق وأكثر إيلاما. فالأهالي الذين أعلنوا اعتصاما مفتوحا منذ أيام، شمل وقف الدراسة في المدارس، يعبرون عن معاناة حقيقية حينما لم يتوقف الأمر عند الإهمال التاريخي، بل تعداه إلى النهب المنظم لثرواتهم ومواردهم والتهديد بالمزيد من النهب، وهو الحال الذي ينتظر غابات عجلون في المساومة المخجلة بين التنمية، ربما الوهمية، وبين الاعتداء المجحف على البيئة والثروات الطبيعية والأصول الوطنية.
تدل خريطة التوترات الاجتماعية–السياسية المحلية على تحول مهم وشبه جذري في تعبيرات السياسة المحلية. هذا الوعي لاحظه معظم أعضاء لجنة الحوار الوطني في جولاتهم الحوارية على المحافظات. بدا ذلك واضحا في مستوى الخطاب والجرأة والملفات الغائبة التي يطرحها الناس، مع إدراك يذهب عميقا في وهم وزيف المبادرات والخطط التي تطرح باسمهم وتتحول إلى بيئات للفساد والنهب، وبالتالي تصبح نقمة عليهم.
الذي لا يحتمله الأردنيون، والذي يفسر اختلال العلاقة بين المجتمع والدولة، يختصر في الفساد والإهمال والتهميش. يحتمل الناس الفقر، كما يحتملون الجوع، ويقدرون ظروف الدولة الاقتصادية، ولا يبحث الكثيرون عن ترف التغيير من أجل التغيير، ولا يعنيهم من يجلس في الدوار الرابع. لكنهم قطعا، وبالخبرة التاريخية، لا يحتملون الفساد الاقتصادي ولا الفساد السياسي والإداري، وهو ما يفسر حاجة الناس إلى الطمأنينة الحقيقية. ولا تتشكل هذه الطمأنينة إلا باستدارة حقيقية وصارمة في كشف الفساد الاقتصادي والسياسي واجتثاثه، وإعلاء دولة قانون والجدارة والكفاءة، فلا خيار حقيقيا وواقعيا أمامنا أكثر أو أقل من ذلك، فالجوع يتعايش مع الكرامة لكنه قطعا لا يُحتمل مع غيرها.
الإهمال والتهميش هما اللذان خلقا الفجوة التنموية العميقة في المحافظات، وحينما حاولنا الالتفات إلى المحافظات وقعنا في شرك الفساد، وحوّلنا الناس هناك إلى مجرد فلكلور وطني. ملف المحافظات هو الأسخن، ويحتاج إلى عمل مختلف وجريء وعميق، فهل وصلت الرسالة؟
(الغد)