كثِّر الخَضَار .. يقل اليَباس ..
محمود الدباس - ابو الليث
11-10-2024 11:07 PM
"كثِّر الخَضَار.. يقل اليَباس".. مقولة يرددها دوماً صديقي.. الكاتب والشاعر حسن ناجي.. وهي على بساطتها تحمل في طياتها معانٍ عميقة.. الخَضَار هنا ليس مجرد رمزية للنبات.. بل رمز لكل فعل إيجابي.. لكل بادرة خير.. أما اليَباس فهو كل ما يجف في نفوس البشر من فساد وجمود وأخلاق منهارة.. وكأنما يهمس صديقي لنا.. بأن الإيجابية مثل الماء.. حيثما وُجد.. أنبت وأزهر.. وأن السلبية.. مثل الأرض البور.. كلما أهملناها واستسلمنا لها.. زاد تصحرها..
إن فكرة الخير والشر.. المتجذرة في كل نفس.. ليست مفهوماً جديداً.. الجميع يدرك أن كلاهما متواجد في كل إنسان.. وكل مجتمع.. لكن المفارقة تكمن في أين نوجه أنظارنا.. فحينما نُعظّم الخير.. ونُركّز عليه.. نصنع فرصاً لأن ينحسر الشر.. ولو تدريجياً.. المثالية المطلقة قد تكون حلماً بعيد المنال.. لكن هذا لا يعني أن الفساد والانحلال هو الخيار الوحيد.. بين الأفعال اليومية العادية.. وبين ضجيج العالم المادي.. يمكن للخير أن يكون طوق النجاة.. بتعظيمه..
قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. "ما من مولود إلا يولد على الفطرة".. تلك الفطرة التي تجعل الخير أصلاً في الإنسان.. والشر دخيلاً عليه.. هنا يظهر دور المجتمع.. هل نكون نحن من يروي بذرة الخير في هذا الإنسان.. أم نتركها تجف؟!..
الفيلسوف جان جاك روسو.. كان يؤمن بفكرة مشابهة.. حيث يرى أن الإنسان يولد طيباً بفطرته.. ولكن فساد المجتمع هو ما يدفعه للانحراف.. وهنا نتساءل.. لماذا لا نكون نحن المجتمع الذي يُعيد للأفراد نقائهم..؟!..
أحياناً.. يكفي أن نمنح الآخرين الفرصة.. أن ننظر إلى الجانب الجيد فيهم.. مهما كان مغموراً في الظلام.. قد نكون نحن من يساعدهم في اكتشاف النور الداخلي.. أو على الأقل.. نخفف من وطأة الفساد الذي يتملكهم..
علم النفس يقدم لنا مفهوماً داعماً لهذه الفكرة.. "تأثير بيغماليون".. حيث يُفسر كيف أن توقعاتنا من الآخرين تؤثر فيهم.. فإن ركزنا على جوانبهم الإيجابية.. منحناهم الثقة والرغبة في التحسن.. قد يتغيرون نحو الأفضل.. أما إذا نظرنا إليهم فقط كأخطاء متحركة.. فكيف سيجدون الدافع للتغيير؟!..
نعم.. ربما نسمح أحياناً بوجود هامش للفساد في مجتمعاتنا.. نغض الطرف.. أو نتجاهله.. خصوصاً عندما يكون مرتبطاً بالسلطة أو النفوذ.. لكن يجب أن نتذكر أن هذا الفساد لن يكون هو الوجه الغالب.. إلا إذا سمحنا له بالتمدد..
فتركيزنا على الإيجابيات.. لا يعني التسامح مع الفساد أو تبريره.. بل يجب أن نواجهه بصرامة.. فنحن لا نستطيع أن ندع الفاسدين يظنون أن فسادهم سيمر دون محاسبة.. فكما أن النبتة تحتاج إلى رعاية لتنمو.. يحتاج المجتمع إلى موقف حازم ضد كل من يحاول أن يجفف أرواح الناس.. إن التغاضي عن الفساد هو سماد اليباس.. وكلما زادت مساحة الفساد.. قلت فرصة الخير في النمو..
الإيجابية.. تماماً كالنبتة.. تحتاج إلى أن نسقيها بالأفعال الطيبة.. بالنوايا الصادقة.. في كل مرة نختار أن نوجه نظرنا إلى الضوء بدلاً من الظلام.. نزيد من فرصة تقليل اليباس في نفوسنا وفي مجتمعاتنا.. الخير يغذي الأرواح.. ويجعل الأمل ممكناً..
هنا أقول.. كل إنسان يحمل في داخله بذور الخير والشر معاً.. لكن أين نوجه تركيزنا؟!.. هذا هو ما يحدد أي منهما سينمو.. لعلنا نزرع المزيد من الخضار في حياتنا وحياة الآخرين.. فنقلل من اليباس الذي يطغى.. ونمنح لمجتمعاتنا فرصة للنمو نحو الأفضل..