عالم جديد .. عالم لا يرحم
صالح سليم الحموري
11-10-2024 09:30 AM
يشهد العالم اليوم تغيرات سريعة وغير مسبوقة، حيث يتزايد تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بشكل كبير على الأسواق العالمية. مؤخراً، لاحظنا إغلاق العديد من المتاجر في عمان، بينما تعاني المحلات التجارية في المولات من تراجع واضح في المبيعات. هذا التراجع يعكس التحول الكبير في سلوك المستهلكين نحو المنصات الإلكترونية والبرمجيات الذكية، التي أصبحت تهيمن على المشهد التجاري. هذه التحولات السريعة في الأسواق تثير تساؤلات جدية حول مستقبل "الأعمال التقليدية" والتجارة كما نعرفها، وفي ظل هذا التحول الكبير، يواجه أصحاب الأعمال تحديات جديدة في عالم أصبح "أكثر تنافسية وأقل رحمة".
في كتابه الجديد "النضال الصالح: القيادة المسؤولة في عالم لا يرحم"، يزعم الكاتب جوزيف باداراكو أن عالمنا اليوم يتسم بالصراع من أجل التكنولوجيا والموارد والفرص. ويشير باداراكو إلى أن القادة الذين يتبنون هذا الصراع ويتكيفون معه هم الذين سيكونون قادرين على تحقيق النجاح في هذا الواقع الجديد.
في عصر الذكاء الاصطناعي، لم تعد التكنولوجيا تسيطر فقط على الأسواق، بل غيّرت أيضًا الطريقة التي يتعامل بها القادة مع التحديات والفرص. اليوم، لا يُطلب من القادة تحقيق الأرباح فقط، بل يتوجب عليهم التكيف مع التغيرات السريعة والتعامل مع التعقيدات المتزايدة. ومع أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد فتح آفاقًا جديدة للقادة، فإنه أيضًا يفرض تحديات تتطلب مهارات قيادية غير تقليدية.
يشدد "باداراكو" على أن "النضال" يشكل جزءًا جوهريًا من حياة القادة، وأن الذين يواجهون التحديات بإبداع ورشاقة، ويتمتعون ببصيرة استشرافية وحس ابتكاري استباقي، هم الأكثر قدرة على تحقيق النجاح في هذا العالم المعقد. ويضيف أن القادة المسؤولين يجب أن يكونوا قادرين على إدارة الموارد البشرية باعتبارها رأس مال، بالإضافة إلى التكنولوجيا والشراكات، حيث يُعتبر التوسع في الشراكات عاملاً رئيسيًا لتحقيق المزيد من النجاح. كما يشير إلى ضرورة إدراك أن هذه العناصر تتغير باستمرار، مما يتطلب مواكبة هذه التحولات بمرونة وديناميكية.
التحدي الأكبر الذي يواجه القادة اليوم هو كيفية التكيف مع هذا العالم الجديد، في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، لم تكتفِ بالتكيف فحسب، بل بادرت الحكومة بخطوات استباقية لتبني الذكاء الاصطناعي من خلال تعيين وزير متخصص لإدارة هذا الملف، بالإضافة إلى مطالبة المؤسسات الحكومية بتعيين مديرين تنفيذيين للذكاء الاصطناعي، هذه المبادرات تعكس فهماً عميقاً لأهمية التكنولوجيا في رسم مستقبل الأعمال والحكومات على حد سواء، وتعزز قدرة الدولة على قيادة التحول الرقمي بنجاح.
وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "نحن لا نتوقع المستقبل، نحن نصنعه". هذه الكلمات تلخص الفلسفة التي تتبناها الإمارات في سعيها لقيادة الابتكار واستباق التغيرات العالمية، مما يجعلها في طليعة الدول المستعدة لمواجهة تحديات المستقبل بثقة ومرونة.
إن القيادة المسؤولة في هذا العالم الذي لا يرحم تتطلب تبني "رؤية استشرافية" وتطوير استراتيجيات استباقية تتماشى مع التغيرات المستمرة. وهذا لا يقتصر على الشركات الكبيرة فقط، بل يمتد أيضًا إلى المشاريع الصغيرة التي تواجه تحديات كبيرة في عالم يتغير بسرعة.
في النهاية، يبرز السؤال: هل نحن مستعدون لمواجهة التحديات التي يفرضها هذا العالم الجديد؟ وكيف يمكننا الاستفادة من التطور التكنولوجي دون أن نفقد السيطرة على نتائجه؟ إن القدرة على التكيف مع التغيرات المستمرة واغتنام الفرص وصناعتها هي مفتاح النجاح في هذا العالم المتغير.
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن "القيادة المسؤولة" لا تقتصر فقط على تحقيق النجاح الشخصي، بل تمتد لتشمل إحداث تأثير إيجابي على المجتمع والعالم من حولنا، فالقيادة في عصرنا تتطلب رؤية شاملة تتوازن بين الابتكار والمسؤولية المجتمعية، لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للجميع.
* صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.