أعتقد جازماً بأنّ الثقافة من أهم عوامل بناء الذات، ومن أهم عوامل بناء الشعوب والأمم، ومن ثمّ فإن الثقافة هي المحرك الحقيقي لثورة الإصلاح والتطوير التي تحشدها الأمم والشعوب في كل زمان وفي كل مكان. والثقافة هي التي تحدث التغيرات المتراكمة في نفوس الأفراد المجتمعين التي تجعلهم قادرين على شق طريقهم نحو الإصلاح الحقيقي وفي جميع المجالات.
وهذا يتفق تماماً مع مفهوم (الآية القرآنية) التي جاءت لترسم منهج التغيير الاجتماعي لدى التجمعات البشرية، قال تعالى: (إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم)، وتغيّر ما في النفس هو تغيّر فكري عميق وعقدي ووجداني شامل داخل تكوين الأفراد بالاتجاه المطلوب يسبق عملية التحوّل الاجتماعي نحو أفق جمعي جديد.
إنّ المجتمعات العربية تشهد لحظة النضج المجتمعي التاريخية التي تهيئ نحو التحول الاجتماعي الذي سوف يفرض سيادته على معظم المنطقة ، فالشعوب العربية تعيش ظروفاً متشابهة على الأغلب وتحكمها ثقافة واحدة، تجمع كل المكونات على المطالبة الجادّة بالحريّة والكرامة والإرادة المطلقة، والثورة على الفساد والتخلص من الاستبداد، وتصحيح المسار، وصيانة مستقبل الأجيال وحراسة الأوطان وخدمة الشعوب.
ومن هنا فإنّ أكثر الشرائح والقطاعات التي ينبغي أن يظهر دورها واضحاً ومتقدماً ومميزاً هي شريحة المثقفين والادباء وأهل الفن وأصحاب الأقلام وأرباب الصحافة بكل تأكيد، فهذا الوقت هو الفرصة الحقيقية لكل من ينتمي لهذه الحرف انتماءً حقيقيّاً، إذا صح تسميتها (بالحرفة)؛ لأنّ الأديب والفنّان والمثقف هم الذين يخاطبون الروح والعقل والوجدان، ويوقظون الضمير، ويشكلون الميول الاجتماعية والاتجاهات الإصلاحية، وهم الذين يشخّصون الحريّة، ويصوّرون العدالة ويرسّخون القيم البنّاءة بطريقة مؤثرة وفعّالة، فهؤلاء هم الذين يقع على عاتقهم صوغ ضمير الأمّة، ورسم ملامحها العامّة، وبناء النماذج وإعلاء شأن المُثُل والقيم السامية.
نحن بحاجة إلى نهضة ثقافية، وانتفاضة أدبية، ويقظة فنيّة، يخوض فيها المثقفون والأدباء والفنّانون معركة التحوّل الإصلاحي المجتمعي التي تسهم في نقل المجتمع من حالةٍ إلى حالة.
نحن ننتظر ظهور أشعار الإصلاح، وقصائد الحريّة وقصص وروايات ترسّخ قيم العدالة، وتقاوم أشباح الفساد، وأغاني وأهازيج على ألسنة الأطفال والصبايا في الأعراس والمناسبات، تغنّي للحرية والأحرار، وتشيد بمكارم الشهداء والأبطال، وتهوّن من شأن الطغاة والظلمة.
نريد نهضة فنيّة تعلن الحرب على الزيف والنفاق والتزلّف، وتعلن الحرب على الضعف والخذلان، وتعيد ألق الشجاعة وإعلاء قيم الفروسية والنخوة والمروءة، والتضحية والفداء، والتفاخر بالعطاء والشرف والكرم وبسط اليد في سبيل خدمة الأمّة وحراسة الوطن، والتنافس في تقديم العون للمحتاجين، وإعلاء شأن التطوّع في البناء وحراسة المؤسسات العامّة، والانطلاق نحو السيادة والإصلاح الحقيقي.
rohileghrb@yahoo.com
(الرأي)