اغتصاب خادمة وأشياء أخرى!
حلمي الأسمر
20-05-2011 03:47 AM
نجد أنفسنا محكومين بالمقارنة «بيننا وبينهم» حين يتعلق الأمر بوقوف الناس سواسية أمام القانون، لا فرق بين مدير صندوق النقد الدولي وعاملة نظافة في فندق!
فور سماعي نبأ اعتقال مدير الصندوق دومينيك «ستروس– كان» ثم استقالته، طفقت فورا أقارن بين ما يجري عندنا في الشرق، وبين ما يجري عندهم في الغرب، وبين ما «كان» يجري عندنا أيام عز الإسلام والعرب، واستدعيت حديث المرأة المخزومية التي سرقت، فقد ورد في الأثر عن عائشة -رضوان الله عليها- أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فكلمه أسامة، فقال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!!
لدينا عشرات، بل قل مئات الأمثلة عن حقوق رجال ونساء أهدرت فقط لأن الخصم مسؤول كبير، أو «واصل» كما يقال، ولو تجرأ أحدهم أو إحداهن ورفع قضية على مسؤول كبير، لوقع في «شر أعماله» ولتمنى أن يكون مات قبل أن يفكر بهذا الأمر، بل إن لدينا في القانون تصنيفات عدة للناس، فالوزراء مثلا لا يُحاكمون إلا في مجلس النواب، كأنهم من طينة أخرى غير طينة البشر، فما بالك برؤساء الوزراء؟
في قصة مدير صندوق النقد، الذي يقبع الآن في زنزانة إنفرادية في نيويورك، واقتيد إلى السجن من على طائرة كانت تتهيأ للاقلاع، الخصم هي امرأة افريقية مسلمة تبلغ من العمر 32 عاما، ترتدي الحجاب، لا تعرف من هو المعتدي عليها، ولا منصبه، يقول شقيقها عنها: هي لا تعرف حتى من هو عمدة نيويورك. إنها امرأة شريفة وملتزمة تعمل بجد من أجل تربية ابنتها، وعندما تعود إلى البيت تشاهد مسلسلات تلفزيونية أفريقية، ولنا أن نسأل: كم امرأة اغتصبت دون أن يعلم عنها أحد، بخاصة إذا كان الفاعل شخصية ذات نفوذ؟ بل قل، كم يُقتل من هذه الأمة من شيوخ ونساء وأطفال وشباب أيضا، ويدفنون في قبور جماعية، دون أن تصل يد العدالة للقتلة، من مسؤولين ومتنفذين، وحكام، ناهيك عن عمليات الاغتصاب الجماعي، التي يمارسها زبانية بعض الأنظمة، كنظام القذافي، ومن هم على شاكلته؟
نافيساتو ديالو، المنحدرة من غينيا، «مرمطت» مدير صندوق النقد، والمرشح المحتمل للرئاسة الفرنسية، واقتادته مخفورا إلى السجن، لأن ثمة عدالة
لا تفرق بين سيد ومسود، أنا لدي مثل أكثر من جارح عن سيدة تقاضي شبابا اعتدوا عليها وهددوا حياتها، وهي تعاني الآن من تمييز على أساس جهوي وعرقي وإقليمي، وتتمنى لو لم ترفع قضية على من اعتدى عليها، لأنها تكاد تتحول إلى متهمة، وهي صاحبة حق، أما تلك السيدة الإفريقية، فوجدت في عدالة الغرب من ينصفها، حتى ولو كان خصمها هذا المسؤول الدولي الكبير!
بالمناسبة، تلقيت قبل ايام رسالة من قارئ يسألني عما حصل مع بعض الأساتدة الجامعيين الذين يستغلون طالباتهم، بزيادة «درجات» وتنزيل مواد خصيصا لهن مقابل الابتزاز الجنسي، وممارسة الحرام معهن بشتى الطرق، وجوابي لهذا القارئ:
القضية أغلقت، وبقي الحال على ما هو عليه، والاستغلال كما هو، وربما زاد، لأننا محكومون بعادات ومنظومة اجتماعية متهتكة، تتيح للظالم أن يعربد دون مساءلة!
قارنوا بين هذا الملف البسيط، وملف تلك المرأة الإفريقية التي هزت قضيتها الأوساط الدولية، وتخيلوا لو كانت في إفريقيا، ماذا كان سيحصل لها، بخاصة إذا تذكرنا محنة الهوتو والتوتسي، وحوادث القتل والاغتصاب الجماعي!
hilmias@gmail.cim
(الدستور)