استعادة مشروع الأمن القومي بات ضرورة .. وإلا
رومان حداد
10-10-2024 12:42 AM
ظهرت الصراعات المشتعلة في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية ما تعانيه من إشكاليات حقيقية فيما يتعلق بمفهوم الأمن الوطني، فمنذ احتلال العراق لدولة الكويت، سقطت منظومة الأمن القومي العربي، وباتت المنطقة عرضة لمشروعات إقليمية، دون أن تملك المنطقة العربية مشروعها الخاص بها، وتحولت تدريجياً لساحة صراع للدول الإقليمية الراغبة بالتمدد، والقوى الدولية الراغبة بالنفوذ.
صراعات المشروعات الإقليمية، وتحديداً المشروعين الفارسي/ الشيعي والعثماني/ التركي، خلقا أتباعاً لهما من قيادات ومواطنين في الدول العربية، بحيث صار هؤلاء الأتباع يرون أي مصالح وطنية عليا أو مصالح قومية عليا تتعارض مع مصالح القوى الإقليمية التي يتبعونها، وصاروا يقدمون مصالح تلك الدول الإقليمية على مصالح دولهم أو على المصالح العربية المشتركة، وهو ما أدى إلى انقسامات داخل الدول العربية بين مؤيد ومعارض لمشروعات الدول الإقليمية.
وهنا لا يمكن أن نغفل عما شكله المشروع الصهيوني، المدعوم من قوى عالمية، والذي يعتمد على الفرق المفرط في توازن القوة العسكرية لمصلحته في مواجهة الدول العربية منفردة، من تهديد للوجود العربي، حيث يكاد أن يكون هو المشروع الوحيد ذو تهديد وجودي، أي حول الصراع من صراع نفوذ وحدود كما في المشروعين السابقين إلى صراع وجود، وما نراه في قطاع غزة ولبنان، من استخدام مفرط وغاشم لآلة الحرب الصهيونية العمياء، ليس سوى البداية، وليست المنتهى.
وصارت العديد من الدول العربية تجد أنها مهددة بأمنها واستقرارها، دون أن تملك إمكانيات حقيقية لمواجهة هذه التهديدات، ما دفع بعضها لتشكيل تحالفات آنية أو مؤقتة، دون امتلاك رفاهية بناء تحالفات استراتيجية، ما زاد من تهديدات الأمن الوطني في تلك الدول، وجعل مواطنيها يشعرون بعدم الاستقرار والأمان المطلوب من مثل هذه التحالفات.
استعادة مفهوم الأمن القومي المشترك، في منطقتي المشرق العربي والخليج العربي، بات أمراً ملحاً أكثر من السابق، فرغم ما يظنه قيادات بعض الدول من امتلاكهم القوة الكافية لحماية مصالح دولهم بصورة منفردة، وبرغم ما يبدو من امتلاك لفائض قوة اقتصادي أو سياسي، إلا أن الحقائق على الأرض تقول إن كل دولة عربية بمفردها غير قادرة على مواجهة التحديات التي يتعرض لها أمنها الوطني.
لا بد لنا اليوم، أن يعمل القادة العرب على استعادة منظومة الأمن القومي العربي، وأن نضع خلافاتنا جانباً، ونحدد أولوياتنا المشتركة، ونرتبها وفق المصالح العليا للمنظومة العروبية، مدركين التغييرات التي طرأت على موازين القوى داخل هذه المنظومة، وفي ذات الوقت ألا ننسى الأثقال السياسية النوعية لبعض الدول العربية، والتي وإن أصابها وهن اقتصادي إلا أنها ما زالت ذات ثقل سياسي مؤسسي إقليمياً ودولياً.
منظومة الأمن العربي المشترك ستساعد المنطقة العربية على استعادة دورها الإقليمي، أي أن تعود لاعباً إقليمياً وليست ساحة للصراعات الإقليمية ومحاولة اقتسامها جغرافياً من قبل المشروعات الإقليمية، وسياسياً من قبل القوى الدولية.
القارئ الجيد للمشهد العربي يدرك تماماً حجم الخلافات السياسية التي نمت وتطورت خلال ثلاثة عقود بين الدول العربية وبين منظومات حكمها، كما يدرك أن التخلي عن التحالفات والمحاور الإقليمية ليس بالأمر السهل، ولكن كذلك يدرك أن كل الخيارات المفردة بالتحالفات لم تؤدِ إلى نجاة المنطقة العربية، بل زادت ضعفها وانقسامها، وزادت التهديدات الحقيقية لدول المنطقة العربية، ما يعني أن الاستمرار على ذات النهج الحالي، تحت شعار النجاة الفردية، لم يعد ممكناً ولم يحقق أهدافه.
أن يثبتوا لشعوبهم أنهم قادرون على جعل الشعوب العربية تعيش بأمن واستقرار عبر استعادة منظومة الأمن القومي العربي، لمواجهة التهديدات المستجدة، مثل تهديدات التغير المناخي، وتهديدات مصادر المياه والأمن الغذائي، والتهديدات التقليدية المتزايدة كالفقر والبطالة وتراجع مستوى التعليم، والتهديدات الأمنية التقليدية.
من سيقود عملية استرجاع منظومة الأمن القومي المشترك، ومن سيكون قادراً على التحرك السريع قبل فوات الأوان، لا يكفي تعليق الجرس، ولكن لا بد من إنجاز يعطي الأمل الحقيقي لمواطني هذه المنطقة بأن القادم أفضل، وعوضاً عن اجتماعات غير منجزة لجامعة الدول العربية، وحتى يتم بث الروح بجسد الجامعة الميت، فلتكن الجامعة العربية هي المظلة لهذا المشروع، الذي سيعيد العنفوان لأمة ذبلت.
الرأي