التوجيه الملكي .. تمكين المعلمين ركيزة أساسية لبناء مستقبل الأردن
لانا ارناؤوط
09-10-2024 04:39 PM
يشكل تمكين المعلمين ركيزة من الركائز الأساسية، والتي لا يمكن إغفالها في بناء مجتمعات مستدامة قادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في العصر الحديث. وقد حظي هذا المفهوم بأهمية بالغة في الاجتماع الذي عقده جلالة الملك عبدالله الثاني أمس في قصر الحسينية، حيث شدد جلالته على ضرورة تأهيل المعلمين وتمكينهم ليكونوا قادة في صناعة الأجيال القادمة. فالمعلم، في رؤية الملك، ناقلٌ للمعرفة، وهو باني للعقول وعاملاً أساسياً في تشكيل ملامح المستقبل الذي تطمح إليه الدولة الأردنية.
يأتي هذا التأكيد الملكي استناداً إلى حاجة النظام التعليمي في الأردن إلى التحسين والتطوير المستمرين، فالتعليم اليوم يمثل منظومة شاملة تهدف إلى إعداد الطلاب لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتطورات المتسارعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وبناءً عليه، فإن تمكين المعلمين وتزويدهم بالمهارات والأدوات اللازمة أصبح ضرورة حتمية لضمان جودة التعليم ورفع مستوى المخرجات التعليمية.
وفي السياق ذاته، جاءت مبادرة جلالة الملكة رانيا العبدالله، من المبادرات الرائدة على مستوى تأهيل المعلمين في الأردن، والهادفة إلى رفع كفاءة المعلمين من خلال تزويدهم بالتدريب المستمر والتطوير المهني. ولا تقتصر أهداف هذه المبادرة على الجوانب الأكاديمية وحدها، غير أنها تسعى إلى ترسيخ القيم التربوية الحديثة الهادفة إلى تعزز دور المعلم كقائد تربوي قادر على التأثير الإيجابي في نفوس الطلاب.
ومما لا شك فيه أن المبادرات الملكية تصب في اتجاه واحد، وهو بناء نظام تعليمي متكامل يواكب التطلعات الكبيرة للأردن. إن الأردن، في هذه المرحلة من تاريخه، يسعى إلى أن يكون نموذجًا رائدًا في المنطقة في مجالات التنمية البشرية والتعليم. وبالتالي، فإن الاستثمار في المعلمين يعدّ استثمارًا في مستقبل الأمة. والمعلم المتمكن هو القادر على غرس القيم والمعارف في نفوس الطلاب بشكل يعزز من قدراتهم الإبداعية والابتكارية، ويمكّنهم من أن يصبحوا أفرادًا فاعلين في المجتمع.
وفي هذا الإطار جاءت تجربتي الشخصية في رسالة الماجستير التي قدمتها هذا العام في الجامعة الهاشمية بعنوان "دور القدرات الاجتماعية للأطفال في الحد من تعاطي المخدرات لدى البالغين"، والتي تكشف بوضوح الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه المعلم في تأهيل الطلاب. فالأبحاث التي تناولتها الرسالة أكدت أن المعلمين ناقلين للمعرفة، ومكرسين للخبرات، وهم قادة تربويون يستطيعون أن يشكلوا وجدان الأطفال ويوجهونهم نحو سلوكيات إيجابية تساهم في الحد من المشكلات الاجتماعية الخطيرة، مثل تعاطي المخدرات. وقد وجدت أن المعلمين الذين يتمتعون بقدرات تربوية عالية يمكنهم التأثير بشكل مباشر في تعزيز القدرات الاجتماعية للأطفال، وهي القدرات التي تساهم لاحقًا في بناء أفراد يمتلكون مناعة قوية ضد المشكلات الاجتماعية التي قد تواجههم في المستقبل. فالمعلم يمتل القدوة والموجه، والقادر على تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم وغرس القيم الإيجابية فيهم، والتي تمكنهم من مواجهة التحديات.
وقد أثبتت العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أن دور المعلم لا يقل أهمية عن دور الأسرة في التأثير على شخصية الطفل وتشكيل سلوكه. فالطفل الذي يقضي جزءًا كبيرًا من يومه في المدرسة، ويتعرض بشكل مستمر لتأثيرات المعلمين الذين يحيطون به، فإن دورهم يمتد ليوازي دور الأسرة في بعض الأحيان، وربما يتجاوزه في حالات معينة، خاصة إذا كانت الأسرة تعاني من مشاكل أو قصور في تربية الطفل.
إن تمكين المعلمين يعني تحسين أوضاعهم المادية، وتوفير التدريبات اللازمة لهم على أحدث الأساليب التربوية، ويعني التمكين، أيضاً تشكيل منظومة شاملة تتطلب إعادة النظر في الطريقة التي ننظر بها إلى التعليم ودور المعلم في المجتمع. إن المعلم المتمكن هو الذي يستطيع أن يخلق بيئة تعليمية محفزة تشجع على التفكير النقدي والإبداعي، ويمنح الطلاب المساحة اللازمة للتعبير عن آرائهم ومناقشة الأفكار بشكل حر ومسؤول. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يمتد تمكين المعلمين ليشمل توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم. فالمعلمون، مثلهم مثل باقي أفراد المجتمع، يواجهون ضغوطات يومية تؤثر على أدائهم وقدرتهم على تقديم أفضل ما لديهم. لذا، فإن دعمهم نفسيًا وتقديم برامج تأهيلية تعزز من صحتهم النفسية يعتبر جزءًا لا يتجزأ من عملية التمكين.
إن وطننا الأردن يواجه اليوم تحديات كبيرة في مجالات عدة، ولكن التعليم يبقى هو المفتاح الرئيسي لحل معظم هذه التحديات. ويتطلب تطوير النظام التعليمي التركيز على العنصر البشري أولًا، وهو المعلم. فإذا تمكنا من تأهيل المعلمين بالشكل الصحيح وتزويدهم بالأدوات اللازمة، فإننا نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا نحو تحقيق التنمية الشاملة التي تطمح إليها البلاد.
وقبل الختام، يجب علينا أن نؤمن بأن تمكين المعلم هو استثمار طويل الأمد. فالمعلم هو الذي يزرع بذور المستقبل في عقول الأجيال القادمة. لذلك، فإن أي جهد يُبذل في سبيل تعزيز قدرات المعلمين وتطويرهم سيكون له أثر إيجابي كبير على المجتمع ككل. المعلمون لا يقتصر دورهم التواجد في الفصول الدراسية، ولكنهم مربون في المدرة، قادة في مجتمعاتهم، وهم الأساس تحريك عملية التغيير نحو مستقبل أفضل.