الحياصات يكتب: النضال السياسي .. بين الجمود والتجديد
د.علي النحلة الحياصات
09-10-2024 11:53 AM
يجد الإنسان صعوبة في تقبّل التغيير، سواء على مستوى سلوكه الشخصي أو تفكيره السياسي والثقافي. قد نفهم أن لكل مرحلة عمرية خصائصها، لكن أن يظل الشخص متمسكًا بتفكير وسلوك ثابت طوال حياته تحت مبدأ "الثبات على الكفر إيمان بالكفر" فهو نوع من العدمية التي لا تقود إلى أي نتيجة، سواء على الصعيد الشخصي أو فيما يتعلق بالقضايا العامة التي يظن أنه يخدمها.
ما يدفعني لهذا القول هو أنني أرى نماذج في مجتمعنا ما زالت تؤمن بأن التمسك بالأفكار الأيديولوجية أو السياسية التي اعتنقوها في بداية مراهقتهم السياسية هو "نضال" بحد ذاته. يظنون أنهم بإبقائها حية في أذهانهم يساهمون في خدمتها، رغم علمهم بأنهم لم يحققوا أي تغيير يُذكر في مجتمعهم ولا حتى استطاعوا إقناع أقرب الناس إليهم بجدواها. فكيف يمكن اعتبار هذا نضالًا إذا كانوا غير قادرين على نشر فكرتهم ضمن محيطهم الخاص؟
هذه ليست دعوة للتخلي عن المبادئ، بل لإعادة التفكير في الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها تحويل تلك المبادئ من مجرد أفكار نظرية إلى واقع ملموس.
لقد فقد المجتمع العربي، وخاصة الأردني، البوصلة السياسية في تفسير الأحداث الجارية حاليا من حوله. انقسمنا بين مؤيدين لـ"قوى المقاومة" المدعومة من إيران، ومتخوفين بنفس الوقت من تمدّدّ المشروع السياسي الإيراني، في ظل حالة من العجز الشعبي والرسمي عن المشاركة الفاعلة. نحن في حالة ضياع ثقافي وفكري وسياسي، نعيش بين وهم "النصر" من خلال التعاطف الجماهيري، ووهم "العقل" عبر محاولات الأنظمة السياسية البقاء على هيكلتها السياسية الحالية بأي وسيلة ممكنة.
في ظل هذه التناقضات، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في المصطلحات القديمة، مثل "النضال السياسي"، التي فقدت فاعليتها. هذه المصطلحات تحتاج إلى إعادة تعريف لتواكب العصر وتسهم في تحقيق وعي سياسي جديد.
في الماضي، ارتبط "النضال" بالثورات المسلحة والتحرر الوطني، حيث كان يُختزل في مواجهة الاستعمار أو الأنظمة القمعية. أما اليوم، فقد تغيرت التحديات وظهرت أشكال جديدة من النضال، تعتمد على الوعي الفكري والإعلامي والثقافي. النضال الحديث يتطلب فهمًا أعمق للسياسات والأنظمة العالمية، ويستدعي استخدام أدوات أكثر فاعلية واستدامة لتحقيق الأهداف.
لذلك، أصبح من الضروري إعادة تعريف المصطلحات القديمة مثل "النضال السياسي". فالمصطلحات التي خدمت في سياقات معينة في الماضي، تحتاج اليوم إلى تطوير يعكس واقعنا وأدواتنا الجديدة. الوعي السياسي المدروس هو المفتاح لتحقيق الأهداف بطرق أكثر تأثيرًا واستدامة، بعيدًا عن الجمود الفكري او التقليد الاعمى من خلال اسقاط نماذج المجتمعات السياسية الغربية على هياكل المجتمعات العربية.