تدريب المعلمين ضمن رؤية التحديث الاقتصادي
فيصل تايه
09-10-2024 11:42 AM
في لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، بدولة رئيس الوزراء ومدير مكتب جلالته ، ووزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزيرة التخطيط والتعاون الدولي ، تابع جلالتة سير العمل في برنامج تدريب المعلمين قبل الخدمة وأثناءها، الذي يجري العمل عليه ضمن البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي (٢٠٢٤ - ٢٠٢٥) حيث اوصى بضرورة تقديم تدريب عالي الجودة للمعلمين، لأهمية دورهم في بناء الأجيال ، ولفت جلالة الملك إلى أهمية المضي قدما في تطوير تعليمات إلزامية إجازة ممارسة المهنة للمعلمين لتعزيز مؤهلاتهم، بما يسهم في تطوير بيئة تعليمية ناجحة والنهوض بقطاع التعليم في الأردن.
من الملاحظ ان تدريب المعلمين والنهوض بمستوياتهم المهنية يلقى اهتمام من اعلى المستويات خاصة من لدن جلالة الملك ومتابعته الشخصية ، لايمانه العميق بان مهنة التعليم مهنة عظيمة تحتاج إلى نمو مهني مستمر دون توقف ، لذلك فان جلالته يركز باستمرار على عملية اختيار المعلمين وتأهيلهم ، فذلك يعد حجر الأساس لمشروع اعداد جيل متمكن من المعلمين ، في ضوء المتطلبات المهنية العالية التي تتطلبها مهنة التعليم ، وتحت حراسة منظومة الضوابط والقيم الأخلاقية العظيمة لهذه المهنة السامية ، وبذلك فإن تطوير معايير وأساليب وإجراءات اختيار المعلمين يصبح مطلبا جوهريا ، حيث أدت التغيرات التي طالت العملية التعليمية التربوية الحديثة إلى بروز أدوار جديد للمعلم أكثر جوهرية ، وهذا ما يجب ان تدركه وزارة التربية والتعليم عند عمليات اختيار وإعداد المعلمين وتأهيلهم قبل الخدمة من خلال البرامج التعليمية والتربوية التي تقدمها في الإعداد والتدريب لتحقيق الجودة الشاملة .
يجب ان نعي تماماً ان التعليم في العقود الأخيرة اصبحت مهنة لها أصولها وقواعدها ومناهجها العلمية ، فمع تطور المعرفة بنظم ونظريات التعلم والتعليم وأدوات وأساليب تقويم الأداء ، تطورت مهنة التعليم بطرائقها وأساليبها لتتلاءم مع التطورات الحادثة في المعرفة العلمية والتكنولوجيا والأهداف التربوية المطلوبة ، وهذا تطلب مزيداً من الاهتمام بعمليات اختيار المعلمين وإعدادهم علميا وتربويا للقيام بأدوارهم ووظائفهم المطلوبة منهم في العملية التعليمية ، الأمر الذي يؤكد ضرورة توفر العديد من الكفايات الإدارية والفنية والاجتماعية المختلفة والتي تساعد المعلمين للقيام بهذا الدور المطلوب ، وهذا يحتاج توافر العديد من المعايير الشخصية والمهنية والثقافية والاجتماعية لديهم من اجل القيام بدورهم التربوي والعلمي المطلوب .
انا اعتقد اننا ما زلنا بحاجه الى تحسين برامج اعداد المعلمين المعمول بها رغم جودتها ، ذلك ما يجب ان تسعى وزارة التربية والتعليم الى تحقيقه ، من خلال التركيز على ايجاد نظام تدريبي متكامل ومرن ، يجمع بين التأهيل قبل الخدمة ، وإدماج المستجدين والتنمية المهنية أثناء الخدمة ، من ناحية التدريب والمحتوى ، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي وما بنطوي في مظلتها من جامعات وكليات منفذه لعملية إعداد المعلمين ، وصولاً لإحداث تغييرات في مهارات المعلمين تمكنهم من استخدام أساليب تدريس حديثة ، ضمن الاتجاهات العصرية مع ضرورة ملاحقة التطورات العلمية والتربوية والتقنية ، منها ما هو متعلق بمتابعة تطورات المناهج ، ووضع نسب محدد لمتطلبات إعداد المعلم مثل الإعداد العام ، والتخصصي ، والتربوي ، والتربية العملية ، والتدريب ، والتي تقع ضمن متابعة التطورات المتلاحقة والسريعة على الساحة التعليمية ، والتي ينبغي من خلالها أن يتعرف المعلم على كيفية التعامل مع الوسائل التعليمية والتقنية واستخدامها بفاعلية مع طلابه ، ذلك لتلبي الاحتياجات التنموية للمجتمع التربوي الحديث ، وتهيئة الجو الصحي المادي والمعنوي الذي يتعين على المستهدفين في برامج إعداد المعلمين الاستعداد علميا وتربويًا وتقنيًا لها ، من اجل القيام بأدوارهم ووظائفهم التعليمية المستقبلية بفاعلية في عصر المعلوماتية ، بحيث يتم التركيز على التدريب المستمر لإعدادهم لمعرفة المحتوى التعليمي التخصصي والمعرفة التربوية والإعداد العام بفاعلية ، لكن "وحسب تصوري" فمن الملاحظ في كل ذلك ، أن برامج الإعداد والتدريب وحدها لن تتكفل بتوفير المعلم الأمثل إلا إذا اقترنت بتنمية اتجاهات إيجابية ، وإثارة الدافعية، والاستعداد للعمل بالمهنة ، وفق متطلباتها وظروفها .
انني ومن خلال متابعتي للعديد من الدراسات التي تشير إلي انخفاض مستوي أداء المعلمين والمعلمات من خلال ظهور العديد من المؤشرات في سلوكهم الوظيفي نتيجة لتعرضهم للظروف الصعبة في مجال المهنة ، وكذلك ضعف نتائج التحصيل المدرسي وما أظهرتها نتائج الامتحانات ، وجدت ومعي العديد من اصحاب الخبرة التربويين الحاجة على ضرورة تكثيف الجهود نحو تحسين برامج التدريب والتأهيل لرفع مستوي الأداء والتأهيل لاكتساب المزيد من المهارات الأساسية في مجال التخصص والنمو المهني ، والمقصود هنا إعداد أو تأهيل وتدريب المعلم لخلق بيئة تعليمية وتدريبية فاعلة ، بتعرض المعلم فيها لشتى العلوم الإنسانية والمفاهيم الاجتماعية التي تشتمل على المواد التربوية ، وأهداف التربية ، وطرق التدريس ، ودراسات المقرر والمناهج ، والقيم ، وعلم الاجتماع ، والنمو الاجتماعي البدني للنشء ، وعلم النفس التربوي ، والتقنيات التربوية ، والتقويم والتقييم التربوي ، وطرق البحث في التربية ، والإدارة المدرسية وغيرها ، وذلك لتمكين المعلم من وضع ما اكتسبه من معارف إنسانية ومفاهيم اجتماعية موضع التطبيق والممارسة العملية ، بإدراك وثقة وتمعن في المواقف والمعضلات التربوية المتعدد التي تحدث في المدرسة وفي حجرة الدرس وتلك التي تصدر عن الطلبة .
انا اعتقد ان من الأهمية بمكان ان يكون الهدف الأساسي من مرحلة إعداد وتأهيل المعلم ينضوي على تكوين وصياغة معلم مدرك ومتعلم وماهر ومثقف ثقافة ناضجة لأداء وظيفة محدد تختص بالتربية والتعليم ، لذا كان من أولويات العمل النظر إلى عملية تدريب وتأهيل المعلم كمنظومة تشتمل علي أساليب وطرق متجانسة تعكس في ذات الوقت الأطر والخصائص الثقافية والعقائدية والاجتماعية للنظام التعليمي الذي من أجله أقيم ذلك النظام ، ويستمد منه استمرارية الاتجاهات الحديثة في مجال إعداد و تدريب المعلمين ، بحيث تركز عملية التدريب أثناء الخدمة الممارسة العملية في الميدان ، والاعتماد علي مفاهيم التعلم الذاتي ، وتفريد التعليم ، وتنظيم العلاقة بين المعلم والطالب على أساس إبراز قيمة الطالب ، وتوظيف التقنية في اكتساب المعارف والمهارات ، اضافة الى استخدام التجديدات التربوية وتوجيه برامج التدريب مع توفير المنهج التدريبي المبني على الكفاية ، مع ضرورة إعطاء الدروس العملية ما تستحق من اهتمام، اضافة الى الاهتمام بالتدريب المصغر لرفع مستوى النمو المهني للمعلم .
كما واعتقد ان الوضع الراهن لبرامج إعداد المعلم وتدريبه يتجه نحو فلسفة في الإعداد ضمن اتجاهين ضروريين ، وهما الاتجاه التتابعي ، والاتجاه التكاملي ، حيث يركز الأول على أولوية الإعداد العلمي للتأهيل ، ثم يترك التأهيل التربوي للتدريب أثناء الخدمة أو للممارسة الفعلية للعمل ، أما الإعداد التكاملي فيركز على إعداد المعلم وتأهيله علميًا ، مع ضرورة الاتجاه نحو التربية العملية والتي هي من أهم مكونات اي برنامج تدريبي ناجح ، ذلك لزيادة ثقة المعلم المتدرب بنفسه ، وتهيئ له الجو للتعامل مع الميدان بكل مكوناته ، مع معلمين فعليين ، وجو مدرسي حقيقي بمعاناته ومشاكله ، والتعايش الفعلي مع كافة تفاصيل العمل حيث إن خبرة التربية العملية تزيد من ثقة المعلم بنفسه مع وجود المعلم (المشرف )المتعاون ، والذي من الممكن أن يكون دعامة قوية للمعلم المتدرب ، وهو المطور والمستهدف في ذات الوقت بعملية الإنماء المهني ، وعنصر رئيس في نقل الخبرات ، بجودة عالية عند تمتعه بالكفاءة وثقافة العمل التعاوني والمسؤولية المشتركة.
وللحديث بقية ....
والله الموفق