المعضلة الأردنية بعد الحرب
د. مروان المعشر
08-10-2024 07:41 AM
سنة بأكملها مرت على الحرب الإسرائيلية على غزة تجاوزت إسرائيل فيها كل الحدود الإنسانية والسياسية والعسكرية.
ولا يبدو أن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي أي استراتيجية واضحة المعالم غير بقائه في السلطة لأطول وقت ممكن. بعد اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، يبدو أن شعبية نتنياهو آخذة في الصعود ما يعزز إمكانية بقائه في السلطة اليوم. كما أنه ليس من المستبعد أن يعمد لإطالة الحرب لسبب آخر وهو عدم رغبته في إعطاء المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية كامالا هاريس أي دور إيجابي لإيقاف الحرب وتفضيله انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية على ترامب في حالة نجاحه يتعامل معه بشكل أفضل من الديمقراطيين حتى مع الوقوف الصارخ لبايدن مع إسرائيل وتزويدها بكل الأسلحة التي تحتاجها لإدامة الحرب.
ولكن الحرب ستنتهي بشكل او بآخر في وقت ما. سيواجه الأردن ما بعد الحرب معضلة كبيرة من حيث مقاربته للعلاقة المستقبلية مع إسرائيل. استخدم الأردن الرسمي تبريرا كان يبدو مقنعا في السابق وذلك في سياق ترويجه لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل أمام مواطنيه. تمثل هذا التبرير في أن توقيع المعاهدة أرغم إسرائيل على الاعتراف بالدولة الأردنية وبالحدود الأردنية ما من شأنه دفن مقولة الوطن البديل الذي يعني عمليا تفريغ الأرض الفلسطينية من السكان والزعم بوجود دولة فلسطينية في الأردن وليس على التراب الفلسطيني. بل أصر الأردن على تضمين المعاهدة نصا صريحا ضد أي محاولة للتهجير الجماعي للسكان (أي من المناطق الفلسطينية الى الأردن).
إضافة لذلك، وبعد قدوم نتنياهو واليمين المتطرف للسلطة، كان لسان الحال الأردن الرسمي يقول إن موقف إسرائيل المتعنت بالنسبة للعملية السلمية لا يمثل نهاية المطاف، وإن نتنياهو سيترك السلطة في وقت من الأوقات، وعلى الأردن الانتظار حتى يأتي رئيس وزراء إسرائيلي أكثر مرونة واتزانا ما سيسمح باستئناف الحديث مع إسرائيل حول السبل التي من شأنها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
لقد أضعفت الحرب الإسرائيلية على غزة هذين التبريرين إلى درجة كبيرة. فقد أصبح من الواضح أن أحد أهداف إسرائيل الرئيسية من الحرب التخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في غزة، إما عن طريق القتل المباشر أو عن طريق جعل غزة مكانا غير قابل للحياة بعد أن دمرت إسرائيل كل مقومات الحياة في القطاع من شبكات الطرق والكهرباء والمياه ومن المدارس والمستشفيات ودور العبادة. إضافة لذلك، فإن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ماضون في مهاجمة التجمعات السكانية الفلسطينية، وبمساندة الجيش الإسرائيلي، في محاولات مكشوفة للتطهير العرقي للفلسطينيين، تمهيدا لخلق أو الاستفادة من ظروف تسمح بالتهجير.
أما الحجة الثانية التي كانت تأمل بقدوم رئيس وزراء إسرائيلي يستطيع الأردن التفاهم معه حول إقامة الدولة الفلسطينية فقد سقطت أيضا، خاصة بعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي في شهر تموز الماضي، وبموافقة كافة الأحزاب الرئيسية الإسرائيلية من موالاة ومعارضة، قانونا ضد إقامة الدولة الفلسطينية.
الانقسام الحالي في إسرائيل هو فقط بين من مع نتنياهو ومع الفريق ضد نتنياهو، أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فهناك شبه إجماع إسرائيلي على رفض الدولة الفلسطينية. ليس من المتوقع لهذا الموقف المتعنت الشعبي والرسمي الإسرائيلي أن يتغير، فالمجتمع الإسرائيلي آخذ في التطرف بشكل متزايد منذ ما يزيد على العشرين عاما، وليس هناك أي كتلة حرجة شعبية إسرائيلية وازنة تنادي بالسلام، لا الآن ولا في المستقبل المنظور.
تبعا لذلك، هناك معضلة حقيقية تواجه الأردن في مرحلة ما بعد الحرب. استئناف التعاون الاقتصادي والأمني مع إسرائيل سيعرض الحكومة لمواجهة مباشرة مع رأي عام غاضب ورافض، وسيعطي إسرائيل الانطباع أن الأردن ليس جادا في معارضته للسياسات الإسرائيلية، أما الاستمرار في الموقف الأردني الحالي المتقدم على غيره من الدول العربية من ناحية انتقاده اللاذع لإسرائيل فسيعرضه لضغوط جادة من الولايات المتحدة وغيرها.
من هنا، فان نتيجة الانتخابات الأردنية في غاية الأهمية، فعوضا على أنها تعبير صارخ على أين يقف الرأي العام الأردني، يمكن لصانع القرار الأردني استخدام هذه النتيجة لمقاومة أية ضغوط خارجية قد يتعرض لها الأردن.
إن مفترق الطرق الذي سيواجهه الأردن من الأهمية بمكان ما يستدعي حوارا وطنيا جادا حول مستقبل العلاقة الأردنية الإسرائيلية. وفي حين أن إلغاء معاهدة السلام قد لا يكون مطروحا على الطاولة لاعتبارات عدة، فإن دراسة باقي الخيارات وانتقاء الأفضل منها ضرورة وطنية، لأنه من الواضح أن العودة للوضع القائم بين الأردن وإسرائيل قبل السابع من اكتوبر للعام الماضي ليس ممكنا ولا مقبولا.
"القدس العربي"