الفكر الميليشياوي والدولة الوطنية
عماد المقداد
06-10-2024 11:40 PM
عندما يتماهى الإنسان ويتٱلف زمنا ما مع الفكر الميليشياوي الفوضوي بحكم الواقع المستجد و الذي يخرج عن نطاق النظام والدول، تتقبل عقلية هذا الإنسان أي تصرفات من هذا الفكر الغول الذي يدمر المجتمعات والذي بني غالبا على فكر حركي عاطفي وفي أكثر الاحوال يستغل الموروث الديني ويجيره لأهدافه، ( ما يسمى الإسلام السياسي ) وهو مصطلح تم تسويقه للتخلص واللعب على مصطلح الخوارج، يدغدغ هذا الفكر مشاعر الشعوب المطحونة، أو يخطف عنوان قضية مقدسة ( مثل تحرير فلسطين )، ويجعلها أرضية لتحقيق مٱربه الإجرامية الخاصة ..
كيف نفضح ونعلم ذلك .؟
عندما يخرج هذا الفكر والميليشيا عن المحددات الأخلاقية العامة والإسلامية الرصينة من استباحة دماء الشعوب المحيطة، واختراق البلدان وتهديد السلم الأهلي في الدول، فقدسية شعاراتك تجاه شعب لا تبيح لك استباحة شعب ٱخر وكامل الأخلاقيات العامة فالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر في مستعرض حديثه: «لا تقطعوا شجرة.. وألا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا.. لا تمثلوا بالجثث.. ولا تسرفوا فى القتل...الخ ) ..
وكل هذه المحددات تم استباحتها من هذه الميليشيات بكافة أصنافها وأيا كانت شعاراتها وقضيتها المرفوعة ..
إذاً .. يصنعون دينا تفصيلا على مقاسهم .. !!
يستغل هذا الفكر بسطاء الناس ويركب على حقوق الشعوب واحتياجاتهم ومتطلباتهم الحياتية، ويقدم احيانا الدعم المادي المشروط المستعاد ولاءّ وانتماءً، ثم تحريكا عند الطلب ..
عندها تتعود الناس على هذا النظام المبتكر الجديد الذي يظهر في الدول الضعيفة أو المنهارة، فيصبح مقياسهم للأمور من خلال نظر و فعل هذه الميليشيا (المقدسة البطلة) والتي خرجت عن النظام الفاسد، والتي غالبا يتم تحريكها عند الطلب من دول خارجية ضد مصلحة الدولة الوطنية الجامعة من جهة وضد مصلحة الشعب نفسه لأنه من المفروض أنه مسؤول من الدولة والحكومة حتى وإن كانت فاسدة أو متخاذلة أو مطبعة، ولا يكون الشعب مسؤول من الميليشيا المسلحة بأي حال من الأحوال ..
فيصبح معه هذا الوضع الجديد من الصعوبة فهم ماذا يعني ((دولة )) ونظام واحترام أجواء وسيادة بلد، وتصبح هذه الكلمات غريبة على المجتمع الذي تعود على الفكر الميليشياوي .
فالدول التي يُأمل إصلاحها حتى وإن كانت فرضا تحتوي على الفساد الإداري يصبح الاصطبار عليها وتقويمها وبناء جذور الإنسان فيها، أفضل من الولاء للميليشيات المسلحة التي لا قانون أخلاقي يحكمها نهائيا ..
فما بني على باطل يبقى باطلا ولن يزينه مظاهر الحق التي تخرج بها هذه الميليشيات وتقتل في سبيل مٱربها الطفل والعجوز .
ثم نحن لا "نسحج" للدولة الوطنية ولا ننتقدها بالمطلق ولا دساتيرها الوضعية، ولكن من قديم الزمن اصطلح علماء الأمة على أنها الخيمة والمظلة المؤقتة والتي تم التوافق عليها للعيش المشترك وإن قهرا ( في زمن الحكم الجبري خصوصا ) يكفي انها توحد الأمة، ولكنها قد تكون سبيلا لنظام أكثر أخلاقية واتزانا ينصف الشعوب المسلمة ويقدم لها العدل والمساواة في المقادير والنظائر ، طالما عمل أبناء هذا البلد على رفع السوية الأخلاقية للأسرة الصغيرة التي يُنطلق منها لعصمة المجتمع أكثر ..
وتبقى الدولة الوطنية - ولا مجال للمقارنة هنا - بمراحل أفضل من العصابات الميليشياوية الحركية الخارجة والمرتزقة والتي تشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وتدمر الشعوب، والتي يسميها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: ( الرّاية العُمّيّة ) والتي لا يعلم من خلفها ويديرها على المنظور المخفي وذكر أن من مات يجاهد خلفها مات ميتة جاهلية وكفى .