تشهد الساحة السياسية الداخلية حراكا نشطا وحاسما هذا الاسبوع لترتيب اجواء البيت الاردني وتمكينه استعدادا لبدء العد العكسي لاستحقاق الانتخابات النيابية في آخر اسبوع من شهر تشرين اول, على الارجح صباح يوم 24-11- .2007 وبات واضحا ان يسدل صاحب القرار الستار على تكهنات نيابية وسياسية, كانت تتوقع ان يتم التمديد للبرلمان الحالي لمدة عام او عامين , على خلفية تصعيد غير مسبوق بين الدولة والاخوان المسلمين عقب انسحاب المرشحين الاسلاميين من الانتخابات البلدية نهاية الشهر الماضي بعد ساعات من بدء الاقتراع اثر مزاعم وقوع تجاوزات وتزويرفي اكثر من بلدية.
وقال مسؤولون حكوميون لـ "العرب اليوم" انه بات في حكم المؤكد صدور ارادة ملكية بحل مجلس النواب خلال الايام القليلة المقبلة والطلب من الحكومة تحديد موعد للانتخابات التشريعية حسب المقتضى الدستوري.
بالتزامن مع قرار حل البرلمان سيمنح الملك عبدالله الثاني الضوء الاخضر لرئيس الوزراء د. معروف البخيت لاجراء تعديل محدود على حكومته اثر استقالة وزيري الصحة والمياه والري على خلفية ازمة مياه "منشية المفرق". وبعدها يبدأ المطبخ السياسي التحضير للانتخابات النيابية, بحسب احد المسؤولين.
ومن المتوقع ان يفتتح الملك عبدالله اول جلسة للبرلمان في الاول من شهر كانون الثاني.
من الواضح, اذا, ان القرار حسم لصالح بقاء د. البخيت على رأس الحكومة, وتكليفه اجراء الانتخابات النيابية, بالرغم من ارتفاع الاصوات التي طالبته بالاستقالة خلال الشهر الماضي.
د. البخيت واجه حملة انتقادات واسعة وغير مسبوقة من كتاب زوايا في الصحف اليومية ومن ساسة مستقلين ومن المعارضة بقيادة الاسلاميين طالبته بالاستقالة بعد تداعيات الانتخابات الاخيرة و من قبلها التخبط وبطء التعامل مع حادثة تسمم مياه المنشية التي خلفت اكثر من الف اصابة بحالات اسهال بين المواطنين, وانقطاع مياه الشرب اضافة الى معاناة الناس من موجة حر غير اعتيادية اجتاحت المملكة اسهمت في تعكير المزاج العام المتشائم اصلا من احداث المنطقة وحال ارتفاع الاسعار الذي بات يقلق مضاجع المواطنين الميسورين والفقراء على السواء.
الشكر لله ان حديث صالونات عمان الذي امتد الى المحافظات حول تمديد عمر مجلس النواب ظل في خانة "الاحلام والاوهام" ولم يتحول الى حقيقة حيث ان خطوة كهذه كانت ستضر بمصداقية الدولة وتظهرها ب "المأزومة" بسبب اجواء الشد الداخلي بين الدولة وحركة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي "حزب جبهة العمل الاسلامي". الطرفان يسعيان الى استمالة تعاطف "الغالبية الحائرة" بعد تصعيد تنامى بينهما منذ اشهر على وقع وتوصيفات متبادلة في طياتها لهجة اتهامية واقصائية لاول مرة منذ تشكلت الجماعة عام 1946 في تناقض حالة التعايش وتبادل المصالح التي حكمت علاقة الطرفين لستة عقود بسبب تغييرات وتبدلات في الاجندات.
الدولة ستجري الانتخابات في موعدها حتى ولو قرر حزب جبهة العمل الاسلامي مقاطعتها - مع ان القناعة الرسمية هي ان الاسلاميين لن يقاطعوا الانتخابات لكي لا يهمشوا سياسيا كما حصل عندما قاطعوا الانتخابات عام 1997 بسبب اعتراضهم على تعديلات ادخلت نظام الصوت الواحد والتي اعتبروها محاولة "لقصقصة" نفوذهم.
الانتخابات ستجري بالرغم من استمرار اجواء التوتر الداخلي الى ما لا نهاية وسط حرائق تجتاح المنطقة شرقا وغربا. حيث تستمر عملية القاء اللوم على الاخر وتجيير نتيجة الانتخابات الاخيرة لمصلحته, ليس فقط بين الحكومة والاسلاميين وانما بين الحكومة والقوى العشائرية وبعضها غاضب بسبب ما وصفته قيام الحكومة بحشد افراد القوات المسلحة للاقتراع ضد مرشحي الحركة في خمس بلديات ينظر اليها كعنوان نفوذ تقليدي للاخوان: وهي مادبا واربد والزرقاء والرصيفة والكرك. العشائر التي تقطن المناطق الخمس هذه احتجت على ما قيل من عمليات الاقتراع "الموجه والمنظم" الذي حرك حساسيات عشائرية تدّعي بان اصوات عشائر داخل المؤسسة العسكرية تم صبها في مناطق اخرى منافسة لم يختاروها.
الانتخابات النيابية قادمة وان عززت بروفة الانتخابات البلدية موقف جبهة المتشائمين حيال فرص التحديث والتغيير في عملية لم ينجح المجتمع الاردني حتى الان في خلق توافق حولها بينما يسيطر هاجس لقمة العيش وتوفير العمل والخدمات الصحية والتعليمية وتحصين مكتسبات العشيرة على ضرورة الالتزام بأسس بناء الدولة الحديثة القائمة على المواطنة, والمساواة امام القانون, وعلى أسس الشفافية والحاكمية الرشيدة. فمصلحة الافراد والجماعات وحماية مكتسباتها السياسية والمادية والمعنوية باتت اهم من بناء الاردن الذي يتسع للجميع بغض النظر عن الاصل والعرق والدين.
بدورها, لن تفرز الانتخابات النيابية القادمة اية مفاجآت سياسية. فالعشائرية والقوى التقليدية والمحافظة ستسيطر على اغلب المقاعد بسبب قانون الصوت الواحد الذي سيفرز نواب حارات وخدمات وشعارات لا نواب محاسبة ومراقبة ومشاركة في عملية بناء اردن المستقبل. الاحزاب السياسية ستظل ضعيفة ومشتتة من دون برامج عمل وطنية مقنعة, والاغلبية ستظل صامتة ومشرذمة, وسيستمر مسلسل تحدي هيبة الدولة اليومي في كافة مناحي الحياة, بدءاً من الطريقة التي يقود فيها الناس سياراتهم, ومرورا بتدمير البيئة المبرمج عبر نثر نفاياتهم, وانتهاء بالاصرار على اطلاق المفرقعات الاحتفالية بالرغم من حظر تفجيرها بعد الساعة العاشرة ليلا.
اما حدة المواجهة بين الدولة والاخوان وحزب جبهة العمل فلن تخبو في المدى المنظور. اذ تصر الحركة ان الدولة تستهدفها لتحييد نفوذها السياسي والاجتماعي, لكي تستطيع التعامل مع معطيات جديدة افرزها دخول الاسلاميين الى المجالس التشريعية كافة التي جرت انتخاباتها خلال العامين الماضيين بداءً بفلسطين, ومرورا بالعراق ولبنان, وانتهاء بتركيا وسعيهم الى اسلمة الدولة والصعود نحو قمة الهرم.
اما الدولة, فستصر على انها باتت تتعامل مع حركة اسلامية "خائفة منها وخائفة عليها". تتعامل مع حركة تعتقد ان الحمائم الذين كانوا الاغلبية باتوا غير موجودين فيها بسبب كبر سنهم وقد فقدوا نفوذهم ومصداقيتهم لصالح متشددين اختطفوا الحركة وصبغوها باطياف "حماسية". نسبة الى حماس الفلسطينية . وخرجوا على الثوابت الوطنية التي حكمت العلاقة بينهما لعقود.
الدولة ترى اليوم انها امام تيار اسلامي جديد يستفرد بقرارها شخص واحد, له علاقة مميزة وتنسيقية مع حماس ومع ايران, ويعمل على تنفيذ استراتيجية سرية على الساحة الاردنية لاعوام 2006 -2010 تستلهم العبر من صعود حماس وانقلابها على السلطة الفلسطينية, بدءا بتحقيق مكاسب في الانتخابات البلدية, فالبرلمانية, تمهيدا للاستيلاء على السلطة.
الدولة تتمسك بانها ستتعامل مع كل الحالات وفق القانون وهي لن تتهاون تجاه التجاوزات والاختراقات والتطاولات ايا كان مرتكبها اومن اي جهة كانت وستحيل الى القضاء كل الحالات حفاظا على القانون و دولة المؤسسات.
وستظهر الايام والسنوات المقبلة صدقية موقف الطرفين المتناقضين.
لكن المهم من كل هذا ان لا تضيع هوية الدولة وسط لعبة الشد الدائرة وان لا يندثر حلم التعددية السياسية والحزبية والعرقية والدينية في مملكة كانت على الدوام مثار حسد الكثيرين في الاقليم المضطرب بسبب سياسات الاعتدال والوسطية والمحافظة على الاستقرار.