مخاطر دوريات الدفع الرباعي على شواطئ العقبة: تهديد بيئي واجتماعي
أ.د. محمد الفرجات
05-10-2024 05:02 PM
إن استخدام سيارات الدفع الرباعي أو سيارات "البك أب" من قبل الدوريات البيئية التي تجوب شواطئ العقبة يشكل مصدرًا كبيرًا للقلق من عدة جوانب، سواء على مستوى السلامة العامة للأفراد أو البيئة البحرية الحساسة في هذه المنطقة.
أولاً، من أبرز المخاطر التي تفرضها هذه السيارات هي تهديد حياة الأطفال والمتنزهين، حيث إن وجود هذه المركبات الثقيلة في منطقة مخصصة للاسترخاء والترفيه يرفع من احتمالية وقوع حوادث دهس، خاصة في ظل التواجد الكبير للعائلات. فالشواطئ، بحكم طبيعتها، هي مساحات مفتوحة يتنقل فيها الأطفال بحرية، وقد تتحول أي لحظة إلى كارثة إذا لم تُتخذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
ثانيًا، فإن هذه السيارات تقتحم الخصوصية الشخصية للأسر الجالسة على الشواطئ. فمن خلال تجوالها بين العائلات، تثير المركبات الغبار وتعكر الصفاء والهدوء المطلوبين في مثل هذه الأماكن. صوت المحركات القوي، بالإضافة إلى الغبار المتصاعد، يسببان إزعاجًا لا يتوافق مع الهدف الأساسي من زيارة الشواطئ، وهو الراحة والاستجمام.
أما من الجانب البيئي، فإن تأثير هذه السيارات يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الإزعاج الظاهري. استخدام المركبات على الشواطئ يؤدي إلى تلوث بيئي طويل الأمد، حيث تسبب المركبات تدميرًا غير مرئي لكن عميق على الأحياء البحرية. تراكم التأثيرات البيئية الناتجة عن هذا الاستخدام يؤدي إلى تغيير في السلوك الطبيعي للأحياء البحرية، مثل الشعاب المرجانية والأسماك، التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من النظم البيئية المحلية. تهجير هذه الكائنات أو تعطيل أنظمتها البيئية قد يسبب خللاً في التوازن البيئي للشاطئ، مما يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي.
الحل الممكن: دوريات راجلة وتعزيز الوعي
بدلاً من استخدام هذه السيارات الضخمة، يجب التركيز على تعزيز مفهوم حماية البيئة من خلال دوريات راجلة، تتبع لقسم التوعية البيئية في مفوضية العقبة. هذه الدوريات يمكن أن تلعب دورًا فعّالًا في نشر التوعية بين المتنزهين، وتوزيع أكياس النفايات، وتوجيههم إلى حاويات القمامة التي يجب زيادتها على طول الشاطئ. بالإضافة إلى ذلك، يتعين زيادة عدد عمال النظافة في هذه المناطق للحفاظ على النظافة العامة دون الحاجة إلى إزعاج الزوار بالسيارات الثقيلة.
التركيز على التفتيش الصناعي والموانئ
إن الشرطة البيئية، التي نقدّر دورها بشكل كبير، يجب أن تركز جهودها على متابعة الصناعات القائمة في العقبة، للتأكد من التزامها بالتدابير البيئية الخاصة بمخاطر تسرب المواد الصلبة أو السائلة أو الغازية. كما ينبغي تكثيف التفتيش في الموانئ والمناطق الحرفية، لضمان تطبيق المعايير البيئية الصارمة ومنع التلوث، بما يضمن استدامة البيئة المحلية وسلامة المواطنين.
بصفتي مفوضًا سابقًا للبيئة والتنمية في مفوضية البترا، وبروفيسور متخصص في الجيولوجيا والبيئة، فإنني أرى أن حماية الشواطئ والأحياء البحرية تتطلب إجراءات حازمة وذكية. وقد قضيت سنوات في دراسة الأنظمة البيئية في العقبة في ألمانيا بالدكتوراة، وأؤمن أن الحل يكمن في تعزيز الوعي العام وحماية البيئة من خلال أدوات أكثر مرونة وأقل تأثيرًا سلبيًا على البيئة والمجتمع.
للأسف، وبسبب هذه الدوريات وكأحد سكان العقبة، فقد عزفت عن زيارة الشواطئ مع أسرتي منذ سنوات، رغم تواصلي المتكرر مع مديرية الأمن العام ومفوضية العقبة لمعالجة هذه القضية. نأمل أن يُتخذ المزيد من الخطوات لتحسين الوضع، بما يخدم المصلحة العامة ويحافظ على البيئة ضمن المفهوم العالمي للبيئة وحمايتها.