زيادة الحد الأدنى للأجور .. علاج .. أم أزمة مؤجلة؟!
محمود الدباس - ابو الليث
05-10-2024 04:57 PM
في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالقطاع الخاص في الأردن.. نجد أن الحكومة تتجه لرفع الحد الأدنى للأجور ابتداءً من مطلع عام 2025.. بحجة مواجهة التضخم وتخفيف معاناة المواطنين من غلاء المعيشة.. إلا أن هذا القرار لا يخلو من مخاطر قد تكون عواقبها أشد على الاقتصاد الوطني.. وعلى استمرارية المؤسسات الخاصة.. فالزيادة الإلزامية للأجور.. ليست بالضرورة الحل الأمثل لمساعدة الموظفين.. بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية غير متوقعة.. مثل تفاقم الأوضاع الاقتصادية لكثير من المؤسسات الخاصة.. والتي تعاني بالفعل من ضغوط هائلة.. مما قد يدفع البعض منها إلى الإغلاق التام.. وبالتالي زيادة البطالة التي يسعى القرار إلى تقليصها في الأساس.
دعونا نطرح تساؤلاً مشروعاً.. هل رفع الحد الأدنى للأجور.. دون النظر إلى أوضاع القطاع الخاص.. هو الحل الأفضل؟!.. أم أن هناك سياسات أكثر نجاعة وقابلية للاستدامة؟!..
وإذا نظرنا إلى تجارب الدول التي اعتمدت تخفيض الضرائب لتحفيز الاقتصاد.. نجد أن هذه السياسات أثبتت فاعليتها في تحسين المناخ الاقتصادي بشكل شامل.. دون اللجوء إلى تدخلات.. قد تزيد من معاناة الشركات والمواطنين على حد سواء.
النظرية الاقتصادية التي يمكن أن تستند إليها هذه الفكرة هي "منحنى لافر".. وهو مفهوم اقتصادي ينص على أن تخفيض الضرائب في بعض الأحيان يؤدي إلى زيادة الإيرادات الحكومية على المدى الطويل.. وذلك بسبب زيادة النشاط الاقتصادي.. وهذا ما حدث في الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس رونالد ريغان.. حيث تم تخفيض الضرائب بشكل كبير.. مما أدى إلى تعزيز النمو الاقتصادي.. وزيادة العائدات الحكومية بشكل غير متوقع.. كما أن بريطانيا في عهد مارغريت تاتشر.. اعتمدت سياسة مشابهة نجحت في تحفيز النشاط الاقتصادي.. لذلك فإن تطبيق هذا النموذج في الأردن.. قد يكون حلاً عملياً ومستداماً.. فبدلاً من رفع الحد الأدنى للأجور بشكل قد يُثقل كاهل المؤسسات.. يمكن للحكومة النظر في خفض الضرائب مثل ضريبة المبيعات.. مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار.. وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين.. وبالتالي رفع الطلب على المنتجات والخدمات.. مما يعزز دورة الاقتصاد.
ولكن يجب أن لا نغفل جانباً مهماً آخر.. وهو الأثر المتوقع لرفع الأجور على معدلات التضخم.. فعندما يتم رفع الأجور دون زيادة موازية في الإنتاجية.. يرتفع الطلب بشكل غير متناسب مع العرض.. مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.. وهذا يعني أن الفوائد التي قد يجنيها الموظف من الزيادة في الأجر.. ستتبخر نتيجة التضخم المتزايد.. بل قد يجد نفسه في موقف أسوأ من ذي قبل.
من ناحية أخرى.. تشير الدراسات إلى أن الضرائب المرتفعة.. تؤثر سلباً على نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.. والتي تشكل العمود الفقري لأي اقتصاد صحي.. إذ ان تخفيض الضرائب.. قد يخفف من الأعباء على هذه الشركات.. ويشجعها على التوسع والاستثمار.. مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة.. وهذه الفكرة مدعومة بتجارب دول مثل إيرلندا وسنغافورة.. حيث تم استخدام سياسات التحفيز الضريبي لجذب الاستثمارات.. وزيادة نمو الاقتصاد.
أضف إلى ذلك.. أن زيادة الدين العام هي مشكلة يجب معالجتها بحكمة.. فالاعتماد على رفع الضرائب.. أو فرض زيادات على الأجور.. دون تحقيق نمو اقتصادي حقيقي.. قد يؤدي إلى زيادة الدين العام.. وبالتالي تحميل الأجيال القادمة أعباءً إضافية.. أما إذا تم تخفيض الضرائب.. وتحفيز الاقتصاد بطرق مستدامة.. فإن الحكومة قد تحقق زيادة في الإيرادات.. دون الحاجة إلى رفع معدلات الضرائب.. أو اللجوء إلى الاقتراض المفرط.
وخلاصة القول.. يجب أن تسعى الحكومة إلى تبني سياسات شمولية.. تقوم على تحفيز النمو الاقتصادي.. لا على وضع المزيد من الأعباء على كاهل القطاع الخاص.. فالتجارب العالمية الناجحة تؤكد أن تحفيز الاقتصاد عبر تخفيض الضرائب.. ودعم القطاع الخاص.. هو السبيل الأمثل لتحقيق نمو مستدام.. ينعكس إيجاباً على الموظف والشركات والدولة على حد سواء.