facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




ذكريات نفق القويسمة: إشراقة الطفولة في ظلام النفق


مصطفى القرنة
04-10-2024 12:57 PM

في قلب عمان ، كان هناك مكان يُعتبر رمزًا للمغامرة والخوف، ألا وهو نفق القويسمة. كنا نذهب إلى هناك وكأننا نتجه نحو نهاية العالم، حيث يمتزج الظلام بالرعب ويتجلى الخيال. تتردد في آذاننا قصص الأشباح والغيلان، وكنا ندخل النفق ونشعر بقلوبنا تنبض بقوة من شدة التوتر. كنا نلتفت للخلف بين الحين والآخر، خشية أن يظهر القطار فجأة، مما يدفعنا للركض بسرعة، خوفًا من أن يكون مصيرنا مفزعا .

أحيانًا، كانت الأضواء الباهتة تنعكس على جدران النفق، مما يعطينا شعورًا بالحنين إلى زمن مضى. كنا نشعر وكأننا في عالم آخر، عالم بعيد عن روتين الحياة اليومية. أما الآن، وبعد مرور السنوات، فقد تغيرت نظرتنا للأشياء. لم نعد نستكشف العالم من حولنا بنفس العفوية. أصبحنا نعيش في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا والأحداث بشكل مثير.

نتأمل في مستقبلنا، ونتخيل كيف سيكتشف الناس كواكب الكون الواسع، كيف سيقولون بفخر "هي جينتي من المريخ". لكن رغم كل هذه التغيرات، لا يمكننا إنكار حقيقة أن العالم يتجه نحو الأسوأ في بعض الجوانب. النزاعات، والتغيرات المناخية، والضغوط اليومية أصبحت تعكر صفو الحياة.

إلا أن هناك شيئًا لا يزال قائمًا، وهو الإرث المعماري الذي خلفه العثمانيون. فالكثير من أبنيتهم لا تزال صامدة، تُذكرنا بفن البناء والإبداع الذي لم يتلاشى مع مرور الزمن. هذه المباني، التي شيدت بمهارة، تظل شاهدة على زمن مختلف، زمن كان فيه التركيز على الجمال والفخامة.

أثناء استرجاعي لهذه الذكريات، تحضرني قصة أهل الكهف. ربما لأن هؤلاء الفتية غادروا فيلادلفيا، تقريبا بنفس الطريق عازمين على الذهاب في رحلة مثيرة. تذكرني تلك القصة بمدى قرب المناطق من بعضها، فالرقيم لا تبعد كثيرا عن القويسمة.

كان نفق القويسمة بالنسبة لنا مكانًا خاصًا، يمثل أكثر من مجرد معبر. كان مكانًا حيث يتحد الخوف مع الشجاعة، حيث نكتشف أنفسنا ونختبر حدودنا. أتذكر كيف كنا نجتمع مع الأصدقاء بعد المدرسة، ونتبادل القصص حول النفق، محاولين أن نكون شجعان. كنا نخطط للذهاب في مغامرات، حتى لو كانت بسيطة، مثل التسابق عبر النفق أو محاولة الوصول إلى نهايته.

لكن مع الوقت، ومع تغير الحياة، بدأنا نبتعد عن تلك المغامرات الطفولية. تغيرت اهتماماتنا، وأصبحنا نبحث عن الإثارة في أماكن أخرى. ومع ذلك، لا يزال نفق القويسمة يحتل مكانة خاصة في ذاكرتي. إنه يذكرني ببراءة الطفولة، وبالأوقات التي كانت فيها الحياة بسيطة، بلا تعقيدات.

إن التفكير في تلك الأيام يجعلني أشعر بالحنين. ربما لأننا كنا نعيش اللحظة، بلا هموم أو مخاوف. كنا نستطيع أن نكون أنفسنا بالكامل، دون الحاجة إلى إظهار أي قناع. كنا نضحك ونلعب، وكانت أحلامنا بلا حدود.

في عالم اليوم، أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا. مع الضغوطات والمسؤوليات التي تأتي مع البلوغ، فقدنا تلك القدرة على العيش بحرية. أصبحنا نتردد في اتخاذ القرارات، ونتساءل دائمًا عن العواقب. هل كنا نعيش في عالم أفضل حينها، أم أن هذه مجرد ذكرى جميلة نتمسك بها؟

ما زلت أعود في ذهني إلى نفق القويسمة، وأتمنى لو كان بإمكاني إعادة تلك اللحظات. أحيانًا أفكر في الذهاب إلى هناك مرة أخرى، فقط لأسترجع تلك الذكريات وأعيش لحظات من البساطة. لكنني أعلم أن الزمن قد تغير، وأن المكان قد يبدو مختلفًا الآن. ومع ذلك، فإن الذكريات تبقى، وهي ما يشكل هويتنا.

يبقى نفق القويسمة جزءًا من تاريخنا الشخصي، مكانًا يذكرنا بطفولتنا، بشجاعتنا، وبقوة الخيال. وهو مكان يمكن أن يجمع بين الماضي والحاضر، ويدفعنا للتفكير في المستقبل. حتى لو تغيرت الأشياء من حولنا، ستظل تلك الذكريات منارة لنا، تضيء لنا الطريق في ظلمات الحياة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :