دائما ما كانت الحروب ساحة للاستثمار في الاوصاف "الحيوانات الحيوانات البشرية" للخصوم أو الاعداء ، فعلى مرّ الزمن و العقود و الحضارات ، اعتمد البشر تلك المسمّيات لتفسير المجازر _نفسيًّا و لجعلها طبيعية دون أن تترك ندوبا داخلية لدى مرتكبيها ، أو أي شعور بالذنب و تأنيب الضمير.
فمثلا كان الفرعون (امنحوتب الأول) يجبر اعداءه على السير كالكلاب ، المستوطنون البيض في امريكا باعوا لحوم السكان الاوائل في محال الكلاب ، الهوتو في افريقيا كان يصفون التوتسي بأنّهم صراصير ، النازيّون اعتمدوا على وصف اليهود بالقوارض قبيل الهولوكوست..و اخيرا وُصف سكان غزّة "بالحيوانات" قُبيل بدء حرب شعواء عليهم.
الانسان بتكوينه النفسي يجب أن يجد المبرّرات الداخلية قبل الخارجية لكي يُقدِم على أي فعل فظيع متطرف ، فعندما يقتنع بأنّ خصمه (اقل رتبة من البشر) حتى و إن كان ظاهريا آدميا كالبشر ، يصبح بعدها استهدافه و تعذيبه و سحله و حرقه و قتله أمرا مبرّرا ، فالمثل السائد "ليس ما كل يلمع ذهبا " يمثّل حالة نفسيّة يحتاجها الانسان ليشرعن وضع خصومه في درجة متدنية يسهل بها التنكيل به ، فحتى لو كان خصمي كائنا بشريا لدي أيدي و أرجل و يأكل و يشرب و ينام و يتحدّث ، هو في نظري في درجة متدنية عني ، يستوجب عليّ بها القضاء عليّ.
التجرّد من الانسانية بعد عقود من كشف فضائح الحضارات و الانظمة و الدول و الثقافات اليوم ، يجعل العالم و قوانينه و نظامه الاخلاقي على المحك ، فكيف أنتم قادرون على السكوت أمام ما يحصل في غزة ؟.
حماس اخطأت؟ ترونها ظالمة و قاتلة؟ ما ذنب الاطفال إذن؟ دروع بشرية و انفاق؟ لماذا لم تبنوا مدينة موازية لغزة للنساء و الاطفال ، لتفادي هذه المجازر؟ إن كنت صادقين في مقولة " الجيش الاخلاقي" !.
بعد الحرب العالمية الثانية و سقوط النازية و هتلر ، كُشف عن الفضائع التي اعتمدها في السجون ، من الافران و الغاز و ادوات التعذيب ، من المرجّح لو لم يسقط هتلر أن تذهب كل تلك التفاصيل مهبّ الرياح فالمنتصر سوف يكتب التاريخ كما يراه هو ، لا كما يدينه و يذمّه و يجعل العالم يحتقره.
في حرب اسرائيل و غزة ، لا منتصر خالص ، بيد أن للمقاومة أفضلية الانتصار كونها لا توازي الكيان بالقدرات و التكنولوجيا و السلاح ، ولا زالت صامدة قادرة على المواجهة ، فاليوم ندخل اكتوبر الثاني على الحرب ، ولم تحقق اسرائيل هدفيها (عودة الرهائن_القضاء على حماس) بينما حماس لا زالت صامدة و قادرة على المقاومة.
الحرب لعينة ، و متاهاتها طويلة و سوداء و مؤلمة ، لكن لا يمكن شرعنة القتل للقاتل ، لا يمكن تبريره بأي شكل من الاشكال ، فلعنة الحروب تدوم أجيالا بعد اجيال ، و ستأتي اجيال تحمل الألم فالجينات...عندها لا ولن ينفع الندم..