الأردن .. سيادة لا تُخترق ومواقف لا تُشترى
محمود الدباس - ابو الليث
03-10-2024 10:33 AM
الأردن.. ذلك البلد الصغير بحجمه.. الكبير بموقعه وتأثيره.. يقف كالصخرة في قلب العواصف الإقليمية.. جغرافياً وسياسياً.. تتقاطع على أرضه مشاريع الهيمنة.. وتضارب المصالح.. من الغرب تقف أطماع الكيان الإسرائيلي.. الذي لم يتوقف عن سعيه التوسعي.. ومن الشرق تلوِّح إيران بمشروعها الفارسي.. متدثرة بثوب الدين.. وكلا الطرفين يحلمان بالتوسع على حساب الأردن.. لكن الأردن لا يُباع ولا يُشترى.. فهو حارس لقيمه ومبادئه.. قبل أن يكون حارساً لأراضيه.
في هذا المحيط الملتهب.. يظل موقف الأردن ثابتاً.. فهو دولة ذات سيادة كاملة.. يحكمه القانون الدولي.. ويرتبط باتفاقيات دفاع مشترك مع قوى عالمية.. وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.. لكنه لا يسمح لتلك الاتفاقيات بأن تجرده من هويته.. أو يجعله تابعاً لمصالح خارجية.. فقد بقي الأردن مخلصاً لقضيته المركزية.. فلسطين.. إنها أكثر من مجرد حدود مشتركة.. إنها روح وهوية.. والعلاقة بين الشعبين.. شرقي وغربي النهر.. ليست مسألة جغرافيا.. بل تاريخ ودم ودين.. والجيش العربي الأردني.. هو الحارس الأمين.. الذي يقف بين هذه السيادة.. وبين الأطماع المتربصة.
وحين تطلق إيران صواريخها.. أو مسيّراتها باتجاه الأراضي المحتلة.. فالأردن لا يسمح بأن تصبح سماؤه ممراً لهذا العبث.. إن أي جسم يحاول اختراق الأجواء الأردنية.. يُعتبر انتهاكاً صارخاً للسيادة.. ويواجه برد حازم من القوات المسلحة الأردنية.. إنما هي ليست معركة لحماية طرف ضد آخر.. بل هي معركة للحفاظ على سيادة الوطن.. فالأردن يدرك أن أمنه واستقراره فوق كل الاعتبارات.. وأن السماح لأي طرف باستغلال سمائه لتحقيق أهدافه.. هو أمر غير مسموح به مهما كانت الظروف.. وقد اعلنها الأردن.. بأنه خذّر كل الأطراف بشكل صريح ولا يحتمل التأويل.. بأن المجال الجوي الأردني خط احمر.. ولن يسمح باختراقه في اي اتجاه.
وما ذنب الاردن.. إذا كانت طائرات الكيان الغاصب.. لا تكتشفها الرادارات حتى الحديثة منها.. بينما معظم المقذوفات الايرانية.. تُرى بالعين المجردة.. ويستطيع طفل صغير ببندقية صيدٍ.. اسقاطها؟!.
وفي الوقت الذي يحاول فيه البعض في الداخل قلب الحقائق.. والادعاء بأن الأردن يحمي الكيان الإسرائيلي.. وذلك من خلال إسقاطه لتلك الصواريخ والمسيّرات.. نجد أن هذه الأصوات.. لا ترى سوى ما تريد أن تراه.. إنها تغفل عن أن الأردن.. من خلال هذا التصدي.. يدافع عن شرفه وسيادته.. لا عن أطراف أخرى.. إنه موقف أردني خالص.. ينبع من كرامة الأمة.. ومن حكمة القيادة التي تعرف جيداً أن مواجهة الاحتلال.. تحتاج إلى وحدة عربية وإسلامية حقيقية.. لا إلى استعراضات فارغة.. أو مغامرات عشوائية.
أما تلك الأصوات التي تحاول زرع الفتنة.. وتضليل الرأي العام.. فهي لا تدرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتق الجيش العربي الأردني.. إنه جيش لا يحمي فقط حدود الوطن.. بل يدافع عن كرامته وكرامة كل مواطن يعيش تحت سمائه.. ولذا حين تسقط المسيرات الإيرانية.. أو الصواريخ العشوائية.. فإن ذلك ليس دفاعاً عن كيان غاصب.. بل هو دفاع عن شرف الأمة.. عن استقلال الأردن.. الذي لن يسمح لأحد.. مهما كان.. بأن يستخدمه وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية.. أو عسكرية على حساب أمنه.
وفي ظل هذه الظروف المعقدة.. يجب أن نفهم أن الأردن لا يقف وحيداً في هذه المعركة.. بل يقف مع تاريخه.. وهويته.. ودماء شهدائه.. إنه يتخذ مواقفه استناداً إلى رؤيته لمستقبل الأمة.. لا لمصالح لحظية.. أو ضغوط إقليمية.. وعندما يُسقط الجيش العربي الأردني تلك الصواريخ.. أو المسيّرات.. فهو لا يحمي أحداً سوى نفسه.. فهو يعي تماماً.. أن المعركة الكبرى لم تأتِ بعد.. وأن تحرير فلسطين.. هو هدف سامٍ.. لكن الوصول إليه.. يحتاج إلى مشروع وحدوي حقيقي.. سياسي وعسكري.. يعبّر عن طموح الأمة بأكملها.. لا عن نزوات.. أو مصالح آنية.
الأردن اليوم يقف على جبهة من نوع آخر.. جبهة الدفاع عن الحقائق.. عن المبادئ.. عن كرامته وسيادته.. في وجه التهديدات الإقليمية.. والأصوات المغرضة.. ومهما حاول البعض تشويه الصورة أو التضليل.. فإن موقف الأردن يبقى نقياً واضحاً.. إنه موقف العزة والشموخ.. موقف الأمة التي لا تتنازل عن حقها.. ولا تقبل بأن تكون مجرد ورقة في لعبة قوى أكبر.. ستبقى السيادة الأردنية فوق كل اعتبار.. وستبقى القوات المسلحة الأردنية حارسة لهذه السيادة.. حتى يأتي اليوم الذي تتحقق فيه الوحدة الكبرى.. ويصبح تحرير فلسطين حقيقة لا وهماً.. والأردن سيكون في الصف الأول.. لا كمحايد.. بل كصانع للتاريخ.