"سمو الوطن" والخطوط الحمراء !
المحامي سليم أحمد المحيسن
03-10-2024 08:34 AM
في كل دول العالم التي تمتلك إرثا تاريخيا وحضاريا هناك هوية وطنية جامعة لا يختلف عليها اثنان حتى لو كانا متناقضان او مختلفان في الرأي، ولكن حب الوطن وترابه والإنتماء له والتضحية لأجله هي غاية تسمو على كل ما هو دون هوائه ومائه وسمائه وأرضه، بل إن رمزية البلد سواء أكانت شعارا أم علماً أم نشيداً فهي مسلمات لخطوط حمراء لا يحق لأي أحد التجرؤ على المساس بها أو النيل منها بأي شكل أو طريقة أو تصرف، ولا يقتصر الحفاظ على ما سبق ذكره على مواطني بلد بعينه، بل إن إحترام خصوصية الدلالات الوطنية ورموزها واجبة على كل زائر وضيف أو مقيم ولأبعد من ذلك حتى على كل إنسان يحترم نفسه.
وحتى لا نطيل الحديث، على من لا يعرف أن يقرأ في تاريخ الأردن كل حرف وكلمة وسطر، ليدرك ويعقل قبل أن يفكر في رفع هتاف مضاد خلال مسيرة او مظاهرة او احتجاج أن هذا البلد إحتواه وفتح أبوابه واحتضنه وتفيء بظله وشرب من مائه وقبل ذلك شعر بالأمن والأمان في وقت كانت أوطان تضيق بأهلها، فما شهدناه وسمعنا به مؤخرًا من استهتار البعض وتماديه في الشوارع ليغرد خارج السرب ليبجل شخص أو رمز خارجي يعتقد أنه أيقونة أو مثالا لا يتكرر فهذا شأنه ولكن عليه ألا يتجاوز على حقوق الوطن ورموزه وألا يحاول استفزاز رجال الأمن الذين يقفون لحمايته ولحفظ الممتلكات العامة وضمان السلم لأن ذلك يقع في باب "الفتنة"، وعلى كل من يدس السم في الدسم لتأجيج الرأي العام ضد كل ما هو مقدس أن يعلم بأن للدولة كيان وهوية لا يمكن المساس بها ولن تكون حرية التعبير بلا سقف يحكمها وإلا أصبحت وقاحة ونقاصة تحمل مآرب أخرى عندها وجب التأديب والعودة بحزم الى القانون الذي يجرم هذه التصرفات المشينة والتي قد تقع في باب "الخيانة" إن لم تكن بالقانون فبالعرف والأعراف، فلا أحد يتعدى حدود الوطن من داخله أو خارجه.
ما سبق ليس تنظيرا ولا تأطيرا، بل تذكيرا لمن إنجر أو غاب عن ذهنه أو تناسى أساسيات الحقوق والواجبات، فنحن في المملكة الأردنية الهاشمية نحترم الجميع ونقف وندافع عن كل من يندرج تحت مظلة الإسلام والعروبة والانسانية، وأفعال قيادتنا الحكيمة تتحدث عن نفسها، وقواتنا المسلحة لها بصمات انسانية بحفظ السلام في دول الصراع والأزمات، وقوافل الخير الإغاثية والإنسانية وصلت أصقاع الأرض، ولا يخفى على أحد أن الأردن لم يغلق حدودا بوجه لاجئ عربي أو مسلم أو غير مسلم حتى أنهم يعيشون ويندمجون داخل المجتمع ويكتسبون حقوقا وواجبات بحكم القانون حالهم حال المواطن فلا تمييز بالتعليم والعمل والعلاج والتملك والحريات .. إلخ، وفي المقابل هناك دولاً تدعي الديمقراطية والحرية تنكل باللاجئين وتتركهم يلاقون حتفهم في المياه الاقليمية او حتى الحدود البرية، ناهيك عن المعاملة العنصرية والتمييزية بين المواطن والمقيم او اللاجئ حتى في أبسط الأمور مثل أسعار المواد الغذائية أو تعرفة الإيجار أو عدم إدماجهم في المدارس الحكومية والعلاج وغيرها من الأمور التي تصف الناس على أنهم "درجة ثانية"..!
الناطق باسم الحكومة وزير الاتصال الدكتور محمد المومني قال :"لا نسمح بأي هتافات او شعارات خارجة عن منظومة القيم الأردنية.. ولن نسمح لأحد بالعبث في مشهدنا الداخلي"، وعليه لا نريد الشارع إلا لما فيه خير للوطن والمواطن والأمة، ولا نريد أن تتكرر مشاهد التأزيم والتجييش التي تعكس استهانة ملحوظة لدى البعض وقلة وعي وادراك بخطورة الأحداث التي تحيط بنا، وبرأيي أن تصرفات كالتي شهدناها خلال المظاهرات الأخيرة في وسط البلد وما سمعناه من هتاف لفلان أو علنتان يعد مؤشراً خطيراً على غياب الوعي حيث يسير البعض المتحمس خلف أجندات مشبوهة ومكشوفة، الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة لمثل هذه المواقف حتى لا يظن البعض أو يخيل لهم بأن هذا البلد هو محطة عبور أو جنسية أو تأشيرة سفر .
المطلوب الآن هو بناء وعي مجتمعي متسلح بالانضباط والمسؤولية، وأن نقف صفا واحدا خلف قيادتنا ومؤسساتنا الوطنية والعسكرية، وأن نعزز وحدتنا ولحمتنا الوطنية في وجه كل طارئ أو رافض أو حاقد أو مرتزقة، فلكل دور يقوم به من وازع ديني أو وطني أفراد و جماعات فالوطن للجميع ..
حفظ الله أردننا وقيادتنا ..
saleem@almuhaisen-law.com