حكاية الاردن والصناديق حكاية طويلة وظريفة ومحيرة تستدعي الكثير من التأمل. بالطبع انا لا أتحدث عن صندوق النقد الدولي ولا صندوق التنمية العربي ولا صندوق التنمية الكويتي ولا ايا من الصناديق السيادية المتروسة بالاموال والمقدرات بل اتحدث عن صندوق الاقتراع..

في صيف هذا العام قالت لنا الهيئة المستقلة للانتخابات ان صندوق الاقتراع هو الفيصل وهو الذي سيحدد اتجاهات وبوصلة التغيير ضمن هيكل مسيرة التحديث التي صاغتها لجنة ملكية تشكلت لهذه الغاية واصدرت توصياتها التي تبنتها الدولة وصدر بموجبها قانوني الاحزاب والانتخاب..

صحيح ان دعوات الهيئة وترويج وزارة الشؤون السياسة وصور المرشحين المبثوثة في الشوارع لم تحرك ساكنا لدى ٦٨% من الناخبين. فالكثير اصابهم اليأس وظنوا ان لا شيء قابل للتغيير في بلد تحاصره الازمات ومرتبط بالعديد من الالتزامات التي لا تمكنه من الحركة بحرية كبعض الاقطار التي تمتلك من المال وترف البعد عن المخاطر ما يكفي لعمل كل ما تتمناه افئدة الابناء وترسمه خيالات الخبراء.

مع كل هذا آمن بعضنا بدعوات الهيئة المستقلة للانتخابات للمشاركة وتقبلوا الشعار وذهبوا الى الصناديق وهم يقدمون رجلا ويؤخرون اخرى غير متأكدين من ان تأتي رياح العملية كما تشتهي سفن غالبية المقترعين.

الذي ادهش الجميع أن الرياح سارت كما اشتهت السفن ونجحت الدولة في إدارة عملية سلسة تحلت بدرجة عالية من الموضوعية واخرجت الصناديق ما في وجدان الناس في هذه المرحلة الصعبة العصيبة.

قالت لنا الصناديق ان هذا هو ما يشغل عقول الأردنيين وان ذلك ما يعتمل في صدورهم. فقد قال غالبيتهم ان الزمن صعب وان المواقف الصادقة اثمن من المال وان الصدق والاصالة في الطرح اكثر تقديرا وقبولا من الشعارات المصطنعة العائمة فاستفتى الناس ضمائرهم واختاروا من اعتقدوا انهم قد يسهموا في الحد من الجوع ويعملوا على التخفيف من حدة الخوف ويقفوا في وجه التهديدات العقائدية لغلاة الصهيونية ووحوش التاريخ.

اذا كانت الدولة قد دعت الناس الى الصناديق وذهبوا وبعد ان قالت الصناديق ما قالته فهل علينا ان ناخذ ما في الصناديق ام علينا الاستمرار في التفكير خارج الصندوق؟..

اعرف ان السؤال محير ولا مانع من ان نفكر خارج الصندوق دون إنكار او التنكر لما في داخله. الصندوق الذي اتحدث عنه وطني واردني وليس دولي او إقليمي.

ذات مرة كتب احد شعرائنا النابهين الذي احببته وقدرت اعماله واسهاماته كثيرا قصيدة مستمدة من الفلكلور تقول كلماتها.. صندوق العروس يا معبى بالشام........ولما رأيتها اقترحت عليه ان يغير كلمة الشام الى احلام ....غضب يومها الشاعر فرجوته ان يهدأ وقلت له الشام جميلة والكل يحبها لكننا نريد أن نفتتح بهذه القصيدة المغناة مهرجان اسمه مهرجان الاردن والشام على شدة محبتنا لها عاصمة لبلد عربي نحب لكنها ليست الاردن.. رحم الله الشاعر الصديق حبيب الزيودي ...وأدام الله صناديق الفرح وجنبنا صناديق الشؤم.