شارع اليرموك (واد الرمم) .. ذاكرة الزمن الجميل
مصطفى القرنة
02-10-2024 10:09 AM
عندما أسير في شارع اليرموك، ينسج خيالي مشهدًا من الزمن الغابر؛ مسؤول روماني يرتدي ثياب الكتان، يحمل سيفه، يقفز من عربة تجرها الخيول، ويطلب من المهندسين البحث عن حجارة في وادٍ عميق. هنا، حيث يُبنى المدرج الروماني، تتجه العربة نحو واد الرمم ثم تنعطف إلى اليمين، لتطل على المدرج، حيث العمال يقتلعون الحجارة من جبل الجوفة ويلقون بها نحو المشروع الضخم.
تتجول دوريات رومانية هنا وهناك، بحثًا عن الأغراب الذين يجرؤون على استخدام هذا الشارع للعبور إلى فيلادلفيا، تلك المدينة التي كانت محرمة على العرب، حيث يقف الحرس عند بوابة عين غزال، يمنعون أي غريب من الدخول، بل يعتقلونه ويرسلونه إلى سجن القلعة الرهيب، حيث الثكنات العسكرية الرومانية، كذلك الحال عند بوابة رأس العين.
فيلادلفيا كانت حكاية مثيرة، تحمل في طياتها الكثير من الأسرار، كانت تجتاحني الهواجس وأنا أعبر هذا الشارع نحو جبل التاج، ذاك الجبل الذي تركناه خلفنا، لا أستطيع نسيان كمية المياه التي كانت تعمره في فصل الشتاء، تكفي لجرف السيارات الصغيرة والكبيرة.
شارع اليرموك ليس مجرد طريق عادي، بل هو شريان الحياة الاقتصادية في عمان. هنا تتناثر المحلات التجارية من كل نوع، وتزدحم الشركات والمستودعات التابعة لمؤسسات متعددة. إنه الضجيج الجميل الذي يعكس الحياة المستمرة.
ما الذي تقوله عيناك وأنت ترى الجِمال تسير فيه، أو ترى عددًا من الفيلة تتجه نحو النشا؟ الشارع لم يتغير منذ أن مر به الرومان، لكن الأنشطة الاقتصادية قد اختلفت كثيرًا. من مصانع الرخام إلى المواد الغذائية، يستمر الشارع في احتضان التطورات، كأنه يحتفظ بذاكرته العريقة ويواكب الزمن بأبعاده المتجددة.
لكن خلف كل ركن من أركان الشارع، هناك قصص إنسانية تجري على مر الزمن. فتجار اليوم يذكرون قصص أجدادهم الذين بنوا أنشطة اقتصادية كثيرة ، حيث كانت صوامع الغلال تعبر عن هوية المدينة. يمكن للمرء أن يتخيل نساءً ورجالاً يتبادلون الأحاديث حول الأسعار والسلع، فيما رائحة الخبز الطازج تتسلل عبر الأزقة. تلك الروح الجماعية ما زالت حاضرة، وإن تغيرت الوجوه والأساليب.
أتذكر الخان في واد النصر حيث يضع الناس حيواناتهم ومصنع الفخار ومصانع الرخام.
وفي كل زاوية، هناك لمسة من الحداثة تتداخل مع التاريخ، كأنك تلمس الحكاية بأطراف أصابعك. المقاهي الحديثة تعج بالشباب الذين يجلسون تحت أشعة الشمس، يتبادلون الأفكار ويخططون لمستقبلهم. هل هي صدفة أن يكون هذا الشارع مليئًا بالإلهام؟ ربما لا، فكل حجر فيه يحمل ذكريات من الاصرار والتغيير، وكأنه يشجع الأجيال الجديدة على رسم مسارات جديدة في تاريخ المدينة.
في هذا الشارع، يستمر صدى الزمن، من الحضارات القديمة إلى أحلام الحاضر.