لماذا ردّت إيران؟ هجوم “ترميم الصورة”
د. محمد أبو رمان
02-10-2024 12:48 AM
جاء الرد الإيراني بما يقارب مائتي صاروخٍ، بصورة مغايرة لما حدث في الهجوم الأول “الوعد الصادق 1″، في إبريل/نيسان الماضي، الذي كان محدودًا وقصد إرسال رسائل سياسية أكثر منه ردًّا عسكريًّا، فيما يأتي الهجوم أمس مختلفًا، فيه رسائل سياسية أكثر قوة، وأكثر وضوحًا، ويحمل رسائل عسكرية وسياسية على السواء.
المفارقة أنّ هذا الردّ الإيراني جاء بعد تكهنات وتحليلات رجّحت تفضيل إيران عدم الدخول المباشر في الصراع مع إسرائيل، بينما كان الحليف الأقرب لطهران، حزب الله، يعاني الأمرّين من الهجمة الإسرائيلية المتتالية عليه، سواء بما أطلق عليه الزعيم السابق للحزب، حسن نصر الله، مصطلح “مجزرة البيجرات”، أو اغتيال نصر الله نفسه مع قيادات الصف الأول في الحزب، بالإضافة إلى قيادات عسكرية بارزة في فيلق القدس الإيراني، وبدء عملية عسكرية إسرائيلية لاسثمار حالة “انعدام الوزن” لدى الحزب، بعد تلك الاختراقات والمفاجآت الخطيرة المفاجئة التي وشت بتكسير ميزان القوى وتدمير معادلة الردع التي عمل ما يسمى “حلف الممانعة” على ترسيخها، سواء من خلال استراتيجية “توحيد الساحات” أو “إسناد الساحات”، كما أصبح يطلق عليها لاحقًا.
هنا، تحديدًا، نقط التحول في القرار الإيران؛ ألا وهي ما أطلقت عليه بذكاء، الخبيرة الأردنية في الشأن الإيراني، د. فاطمة الصمادي، مصطلح “هجوم ترميم الصورة”، بالنسبة لإيران، لأنّها لأكثر من عشرة أيام كادت أن تفقد تمامًا ما حاولت بناءه من صورة لقوة إقليمية كبيرة وحلف ممانعة ممتد إقليميًّا، يجلس على الطاولة ويتحدث من منطلق قوة، فعشية الهجوم الإيراني كانت الصورة متدهورة للغاية، ومثارًا لسخرية خصوم إيران، وشكوك لدى حلفائها بمستوى قدرة إيران عن الدفاع عن مصالحها الإقليمية وحلفائها وصورتها التي بنتها في المنطقة، في مواجهة صورة نتنياهو التي كانت في الحضيض، داخليًّا وخارجيًّا، قبل الهجوم على حزب الله، إذ تمكن من رفع رصيده الشعبي واستعادة صورة “البطل” لدى جمهور إسرائيل، وظهر ذلك بوضوح في استطلاعات الرأي الداخلية هناك، وانضمام جدعون ساعر لحكومته، والإعلان عن بدء عملية برية في لبنان.
الإدراك الإيراني لحجم الخسارة الإقليمية وانهيار الصورة والخشية من انهيار معنويات حلفاء طهران، بخاصة مع الضربات المتلاحقة لحزب الله وحالة الارتباك في أدء الحزب عسكريًّا، ذلك كلّه دفع نحو ردّ إيراني مختلف، ومجازفة أكبر لحماية نفوذ طهران الإقليمي، في أيّ عملية ترسيم لنظام إقليمي جديد في المرحلة القادمة.
لقد بدت مؤشرات على تحول الإدراك الإيراني في اليوم السابق للهجوم، إذ لاحظنا من تصريحات الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد، مسعود برشكيان، ووزير خارجيته، في أنّ هنالك وعودًا غير صادقة قدمت لإيران بعد اغتيال زعيم حركة حماس في طهران، إسماعيل هنية، بأنّ الوضع في غزة سيتجه نحو التهدئة وعدم التصعيد، مما أضعف موقفه وفريقه أمام الحرس الثوري الإيراني، ومؤسسة المرشد الأعلى للثورة، علي خاميني، والتيار المحافظ، الذي دفع نحو اتخاذ قرار بالهجوم الإيراني، مما ينذر بصورة جدية، هذه المرة، بتوسيع نطاق الحرب الإقليمية.
الجانب الأكثر أهمية، الذي من المفترض ألا نغفله في التحليل السياسي، هو الشارع الإيراني، فضعف ردود الفعل الإيرانية وانهيار صورة إيران الإقليمية، كانا يدفعان إلى تهشيم قوة إيران داخليًّا، وتحجيم الجانب الأيديولوجي الذي طالما جعله القادة الإيرانيون المحافظون رافعة للتعامل مع الملف الداخلي، فإذا كانت إيران عاجزة إلى هذه الدرجة عن مواجهة “الشيطان الأكبر”، أميركا وإسرائيل، فلماذا تستقوي فقط القوى المحافظة على الداخل ويدفعون ثمنًا كبيرًا للعقوبات الاقتصادية والعسكرية؟!
بالضرورة إيران لم تكن تسعى إلى توسيع نطاق الصراع، لكن حكومة نتنياهو أرادت تحطيم قواعد اللعبة الإيرانية، ووضعت إيران في الزاوية، لذلك وبالرغم من حجم الردّ الأكبر مما سبق، فإنّ إيران حرصت أن ترسل رسائل سياسية مناقضة، عبر الإبلاغ عن الهجوم الصاروخي مسبقًا، كي تترك الباب مواربًا أمام المحاولات الديبلوماسية، لكن طهران تدرك تماماً أنّ الهجوم هو الفرصة التي كان ينتظرها نتنياهو لإدماج أميركا المترددة في الهجوم على إيران، وربما الوصول إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، الحلم الذي طالما كان يراود نتنياهو، وهو الآن على قيد خطوة من تحقيقه، إن لم تمنعه الحسابات العسكرية والسياسية الأميركية والغربية.
الكرة في ملعب نتنياهو، ومن الواضح من تحليل مضمون خطابه المباشر بعد الهجوم الإيراني، مع تصريحات رئيس وزراء بريطانيا، ومستشار الأمن القومي الأميركي، فإنّ هنالك رداً إسرائيلياً قادماً، لكن ما هو حجمه وطبيعته؛ وهل يحمل مفاجآت كما حدث مع حزب الله، ذلك كلّه برسم الإجابة في الأيام القليلة القادمة!
معهد السياسة والمجتمع