مقالٌ موجَّهٌ للأردنيين فقط، وهنا لا أعني الأردنيَّ بالـDNA، بل كلَّ من يؤمنُ بالأردنِ دولةً تامةً لشعبٍ تامٍّ، ويرى بالأردنِ وطناً نهائياً، وليس صرَّافاً آلياً ولا ماخوراً يُمارَسُ فيه البِغاءُ السياسي.
نمرُّ الآن كأردنيين بظرفٍ هو الأصعبُ في تاريخ دولتنا الحديثة، فنحن – ولسوء الحظ – نعيش على أطولِ خطٍّ حدودي مع الكيانِ الأكثرِ إجراماً في تاريخ الإنسانية. ولا بدَّ لنا أن نعيَ أنَّ إسرائيلَ ليست شريكَ سلامٍ إلَّا إذا فُرِضَ عليها السلامُ، وليست عدوَّ حربٍ إلَّا إذا مُنحت إذنَ الحرب.
ولطالما كان الوطنيونَ الأردنيونَ طليعةَ الصراعِ مع هذا الكيان، دون التغوُّلِ على القرارِ الفلسطيني، بعكس الدول التي وإن دعمت الفلسطينيينَ بالسلاح، إلا أنها احتكرت قرارَهم السياسي وصادرت حقهم في تقريرِ المصير. ولكم في مصرَ عبدِ الناصرِ، وسوريا الأسدِ، وعراقِ صدَّام، وليبيا القذافي، أسوةٌ حسنة.
والآن يقومُ الأردنُّ الرسميُّ بلعبِ الدورِ الأبرزِ دوليّاً لوقفِ الحربِ الضروسِ على غزَّةَ ولبنان، ويقفُ بجرأةٍ لا نظيرَ لها في وجهِ الوفودِ الإسرائيليةِ في كلِّ المحافلِ الدولية، بجانب القضية الفلسطينية، مؤكداً على حلِّ الدولتين الذي تتبنَّاهُ منظمةُ التحرير. أما على المستوى الشعبي، فيتضامنُ الأردنيونَ بشتى الطُّرقِ مع غزَّة، ويرددون شعاراتِ التحرير خلفَ كلِّ من يهتفُ بها، مطالبين بإنهاءِ العدوانِ على غزَّةَ ولبنان.
على صعيدٍ آخر، يتخوَّفُ الأردنيونَ من احتماليةِ امتدادِ الصراعِ إلى الضفةِ الغربية، وتحقيقِ الترانسفير الأكبرِ على حسابِ الأردن. وهذا ما أكَّد الملكُ رفضَه في اجتماعِ الهيئةِ العامةِ للأمم المتحدة. ويشتبكُ الأردنُ أيضاً على حدودِه الشماليةِ مع عناصرِ محورِ الممانعةِ الذين اعتمدوا الحركشة وتهريبَ الكبتاجونِ والسلاحِ سبيلاً لتحريرِ فلسطين عبرَ الأردن فقط! رغمَ أنَّ الطريقَ مفتوحٌ لهم من طهرانَ حتى بيروتَ وصنعاءَ وصولاً إلى حيفا.
بالتزامنِ، يستغلُّ المؤمنون بسياسةِ محورِ الممانعةِ الفرصةَ لتمريرِ شعاراتٍ ومواقفَ لا تمثلُ الشارعَ الأردني، متسلحينَ بالتكفيرِ والتخوينِ لكلِّ من يعبرُ عن موقفٍ أردنيٍّ معادٍ للسياساتِ الإيرانيةِ في المنطقة، وكأنَّ الأردنيَّ محكومٌ بأن يكون تابعاً لإسرائيلَ أو مطيَّةً لإيران! وهنا علينا أن نحسبَ حسابَ جبهتنا الداخلية التي وإن بدت متماسكةً، فعلينا أن نحذر؛ لأن "النَّقَّ أقوى من السِّحر".
︎إذاً، نحن في بيئةٍ إقليميةٍ معاديةٍ، وعناصرُ الداخلِ تعبثُ بالسِّلمِ الأهليِّ والأمنِ العام، فما العمل؟
على الأردني أن يشرعَ ببناءِ حركته الوطنيةِ المطالبةِ بالحريةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ واستعادةِ وبناءِ قطاعٍ عامٍّ يُعيده وشرائحَه الاجتماعيةَ إلى موقعِ السلطةِ الذي اغتصبته جموعُ التجارِ والوكلاءِ الأجانب، وكلُّ من يعادي الأردنيينَ ومصالحهم.
كما تمارس المؤسسةُ العسكريةُ دورَها في حمايةِ الحدود، علينا نحن كوطنيينَ أردنيينَ أن نؤمِّنَ جبهتنا الداخلية. وعليه؛ فإن قاعدة "الطبيعة لا تحتمل الفراغ" تضع على عاتقِ الوطنيينَ الأردنيين تبنّي موقفٍ موحَّدٍ من تنظيمات "الكبتاجون" في الأردن. فمثلاً، على الوطني الأردني أن يرفضَ كلَّ أشكالِ المزايدةِ والتخوينِ المُمارسةِ ضدَّه، وأن يُفَنِّدَ على الملأ شعاراتِ "حمساويةِ الأردن" المسمَّين جزافاً بالإخوان، ومن تبعهم من بقايا الفصائل الفلسطينية ويسارِ الملالي. وعليه أيضاً أن يرفضَ تواجدَهم على الخارطةِ السياسية بالأساس؛ لأنَّ من يُمارسُ السياسةَ بالأردن عليه أولاً أن يؤمنَ بالأردن! فعلى الوطني الأردني أن يرفضَ أيَّ إساءةٍ للمؤسساتِ والدولةِ الأردنية، متسلحاً بثقافةِ الصراعِ الأردنيِّ مع المحيطِ، ومؤمناً بتميُّزه عن أقرانه في إقليمِ الجهلِ والتطرُّفِ الذي نعيش فيه.
وختاماً أقول:
موطني الأردنّ لكنّي به
"كلّما داويت جرحاً سال جرح"
وبنفسي رحلةٌ عن أرضه
علّه يشفى من الإرهاقِ نزح
كلّ ما أرجوه لو أنّ منى
عاثرُ الجَدِّ إذا يرجو تصحّ
أن أرى لي بيتَ شعرٍ حوله
من شلايا قومك السرحانِ سرح
في فلاةٍ ليس للعِلْجِ بها
حيّةٌ تسعى، وثعبانٌ يفحّ
عرار