ينتاب النفس، في منتصف هذا الإضطراب، مزيج من المشاعر، خليط من الخيبات والدهشات معاً، حيث يتصدر القلق والخلط، وحيث يصل العقل إلى حالة من اللاوعي تقصر فيها القدرات عن الإستيعاب ويتهيأ فيها حتى أخو الجهل، للمرحلة الأولى من الهذيان...!
ما الذي يحدث؟ مالذي تغيّر حتى نرى انهيارا سريعا عاصفا كالذي نراه ونسمعه؟ أي ذنب اقترفناه حتى تتداعى علينا الأمم، وحتى نكون جميعا أهدافاً سهلة ومكشوفة لآلات الحرب والقتل، وحتى نقف صامتين لا قوة لنا ولا رأي، نسمع ما يتشدق به قادة الإجرام دون أن نمنح أنفسنا فرصة واحدة للإتزان، وللتفكير وللموقف!
لا أحد يدري وليس بمقدور أحد أن يفعل؛ عن مآلات الحرب القادمة التي أشعلت وستشعل المنطقة بأسرها. تغيب الحقائق والمعلومات وتغيّب، تنحسر التوقعات إلى حدود منحدرة تماما، وننتظر في كل رأس ساعة، خبرا عن قصف وعن اغتيال وعن اجتياح لا يرده أحد!
في منتصف هذا الإضطراب، تغيب مصر وسوريا والعراق وليبيا. لقد أنهكتها حروب الردة في ربيعنا الحطيم، وأخرجتها من ميدان السباق، فخلت الساحات وتهيأت أمام إنفاذ المشروع الصهيوني الكبير الذي يطهوه على مهل، أرباب السياسة منذ مؤتمر بال.
تغيّب العرب وغُيّبوا عمّا يمكن أن يكون حائط صد ولو هلامي، أمام الفكرة المجرمة الساعية لتصفية كل القوى التي تقول لا في وجه المشروع الكريه، أضحى حقل القتل مفتوحا ومتاحا، ولم يعد فيه عوائق يمكنها عرقلة الرماة، ولو كانت بيانات كرتونية لا قيمة لها.
ليست أثرة ولا استئثار حين نقول أن الأردن وحده من بقي واقفا في وجه المشروع القبيح.
وليس تباهٍ ولا تبجح أن نقول أن على العرب وقد قصرت بهم السياسة والحصافة وقواعد التحالفات الجديدة، عن موقف سياسي واقتصادي في وجه هذا الطغيان، أن يبدو دعما غير محدود ولا مشروط لهذه البلاد التي تقاتل نيابة عنهم في محافل السياسة وفي منصات العالم، والتي يقول كلمتها الملك بقوة وشجاعة واقتدار، لا من ضعف ولا من وهن، بل تجأر بصوتها العالي وهي مستندة على بطولات جيشها العروبي العظيم في القدس وباب الواد واللطرون وكفار عصيون والخان الأحمر والكرامة وفي كل امتداد فلسطين.
يبلي الملك بلاءً حسنا في وقوفه في وجه المدّ الكريه، وعبر سنوات طوال من خطابات غلّفها بالحصافة والمنطق، كان على العالم أن يسمعه، وأن يجعل فكرته القائمة على نبذ العنف وامتهان الحوار أساسا لحلول القضية المركزية في فلسطين، عنوانا لكل الجهود، ومن في العالم بأسره من يسمع ويرى بسالة وزير خارجيتنا الكيّس الفطن معالي المغوار ايمن الصفدي، وهو يحرج حكومة الإحتلال كل يوم في لقاءاته ومداخلاته وكلماته، إنه موقف ثابت وواضح وجليّ.
على العالم أن يعود لرشده اليوم قبل الغد، عليه أن يقاتل كيلا يمنح بسكوته ذريعة للكيان الغاصب في الاستمرار في شرب دماء المدنيين من الأطفال والنساء، وكيلا يستمرىء الأمر للإمعان في القتل، مدفوعا بعقيدة مزورة ترسم أحلاما لدولة كبرى.
على العرب، وقد أحجموا عن القتال ولو بكلمة في وجه هذا المد المجرم، أن يقرأوا تاريخ دولهم جيدا، ولن يقبل منهم أقل من دعم الأردن وتحصينه وهو يحمل بنادقه في بوابة العروبة الغربية، مدافعا ومنافحا…