كثيراً ما نتحدث أمام الناس بكلام كله إيمان ويقين.. بأن كل أمرنا بيد الله.. نؤكد على أن الرزق والنصيب مكتوبان لنا.. وأن الله يسير الأمور كما يشاء.. ولكن ما إن يحدث أمر لا نريده.. أو لا يتماشى مع خططنا.. حتى نجد أنفسنا نبحث عن الأعذار.. نختلق أسباباً واهية لنعلق عليها فشلنا.. وننسى أو نتناسى يقيننا.. بأن الله لم يرد لنا ذلك الأمر.. وكأن حديثنا السابق لم يكن إلا كلمات من فوق "الجوزة".. وليس من القلب والعقل واليقين..
الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الذاريات {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)}.. ولكننا رغم هذا الوعد الرباني.. نبقى نتحدث عن الرزق والنصيب.. فإذا لم نحصل على ما سعينا إليه وأخذنا بكافة الأسباب.. نبدأ بتغيير الحديث.. فنقول "لو أنني فعلت كذا.. لحصلت على هذا المشروع.. أو المال.. أو الوظيفة".. وكأننا نغفل أن الله بحكمته الغيبية.. أبعد عنا هذا الأمر لحكمة يعلمها.. ربما لحمايتنا من ضرر لم نكن لنتوقعه.. والادهى من ذلك.. اننا في أحيان كثيرة.. نأخذ رزقنا الكتوب.. من خلال استعجاله بطرق الحرام..
علماء الدين يجمعون على أن الزواج هو من القدر المكتوب.. وعلى الطرفين حسن الاختيار.. ولكن إذا لم يكتمل الزواج اصلاً.. أو تم الانفصال بعده.. نجد البعض يلوم القدر.. أو يسعى للبحث عن أسباب ظاهرية.. بينما الحقيقة أن الله يختار لنا ما هو أفضل لنا.. سواء كان في استمرار الزواج أو عدم إتمامه.. وقد يسوق الله حدثاً بسيطاُ.. أو سبباً غير متوقع.. ليحول دون استمرار علاقة.. قد لا تكون في مصلحتنا..
من هنا يتجلى دور الإيمان الحقيقي.. بأن الله يسير لنا الخير.. ويبعد عنا الشر.. فإذا لم يتم الأمر كما أردنا.. فعلينا أن ندرك أن الله لطف بنا.. وقد أبعد عنا ما قد لا يكون مناسباً لنا.. تماماً كما حدث مع رجل الأعمال الذي طُلبَت منه رشوة من أحد الزبائن.. فرد قائلاً "اسمع يا هذا.. لو لنا نصيب في المشروع.. سنأخذه غصباً عن شواربك.. وإن لم يكن لنا نصيب فيه.. لن نأخذه.. ولو دفعت لك ضعف ما طلبت"..
وفي هذا السياق.. لن امر عن موضوع الحج.. فالحج مناداة من الله لعباده الذين كتب لهم أن يؤدوا هذه الفريضة.. وعندما يحين الموعد.. ويكون الحج مقدراً لأحدهم.. فإن الله سيسهل له كل السبل ليؤدي مناسكه بالطريقة الصحيحة.. ولكننا للأسف نستعجل الأمر.. فتجد البعض يلجأ إلى الواسطات.. أو حتى يحاول الذهاب بطرق غير قانونية.. معرضاُ نفسه للخطر.. وكأنه لا يثق بأن الله هو من سييسر له الطريق.. إن كان مكتوباً له الحج.. فينسى أو يتناسى أن الله لو كتب له الحج فإنه سيجعل الأمر ميسراً بشكل طبيعي.. دون الحاجة للالتفاف على القوانين.. أو تعريض النفس للتعب والمعاناة غير المبررة.. هنا يكمن الفارق بين الإيمان والتسرع.. فلو توكلنا على الله حق التوكل.. لعلمنا أن كل شيء يحدث في وقته المحدد.. والذي يختاره الله لحكمة بالغة..
ولذا نقول دائماً.. إذا أردنا العجلة قلنا "خير البِر عاجله".. وإذا أردنا التماطل قلنا "كل تأخيرة وفيها خيرة".. فنفسر في المسألة على مزاجنا وحسب اهوائنا لا أكثر.. بينما الحقيقة هي أن كل شيء بيد الله.. ونحن في نهاية الأمر نملك أن نسعى.. لكن النتيجة بيد الله وحده..
إذا أردنا أن نعيش إيماننا حقاً.. فعلينا أن نقبل بما يأتينا من الله.. ونتوقف عن البحث عن أعذار.. أو عن محاولات التفسير التي تخرجنا من جوهر الإيمان.. لأن الإيمان ليس مجرد كلمات تُقال أمام الناس.. بل هو عمق داخلي.. يتجلى في الرضا والتوكل الكامل على الله.. سواء في الرزق.. الزواج.. أو حتى في الذهاب إلى الحج..