الرسالة الملكية .. رؤية شاملة للتحديث وإعادة بناء الثقة
د. ليث عبدالله القهيوي
30-09-2024 09:16 AM
جاءت الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك لرئيس الوزراء المكلف جعفر حسان لتشكيل الحكومة الجديدة لتضع معالم الطريق للمرحلة المقبلة في مسيرة الدولة الأردنية، حيث أكد الملك على أهمية التحديث الشامل في مختلف المجالات، مشددًا على ضرورة إشراك جميع فئات المجتمع، وبالأخص الشباب، في هذه العملية. في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعيشها الأردن، والتي أثرت على كافة جوانب الحياة، أصبحت أزمة الثقة بين المواطنين والحكومة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة. هذه الأزمة، التي تعمقت بسبب تكرار الوجوه ذاتها في الحكومات المتعاقبة، أدت إلى شعور عام بالإحباط، خاصة لدى فئة الشباب الذين يشكلون العمود الفقري للمجتمع ومستقبله.
في هذا السياق، يعاني الشباب الأردني من شعور متزايد بالاغتراب عن العملية السياسية، وهو شعور تغذيه السياسات التقليدية التي لم تحقق لهم ما يطمحون إليه من فرص عمل، ومستقبل أفضل، خطاب العرش جاء ليؤكد على ضرورة إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، مشددًا على أهمية أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على تحقيق تغيير حقيقي وملموس، وأن تتحمل مسؤولياتها بفعالية وكفاءة. ولكن، يظل السؤال المطروح: هل يمكن لحكومة جديدة بوجوه قديمة أن تعيد هذه الثقة المفقودة؟
إن الشباب هم الفئة الأكثر تأثرًا بتداعيات الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وهم في الوقت ذاته الأمل الأكبر لتحقيق التغيير المطلوب، جلالة الملك لطالما أكد على أهمية تمكين الشباب وإشراكهم في العملية السياسية . لكن، وعلى الرغم من هذه الدعوات، ما يزال هناك شعور بأن الشباب يتم تهميشهم وعدم منحهم الفرصة الحقيقية للمشاركة في صنع القرار، في الرسالة الملكية، دعا الملك إلى تكثيف التواصل مع المواطنين والاستماع إلى آرائهم، في إشارة واضحة إلى ضرورة إشراك الشباب والاشتباك الايجابي في هذا الحوار. ولكن هذا الإشراك لا يجب أن يكون شكليًا فقط، بل يجب أن يعكس رغبة حقيقية في تغيير النهج السائد.
أحد المحاور الأساسية في الرسالة الملكية كان التحديث السياسي، الذي يشمل إعادة هيكلة المشهد الحزبي وتمكين الأحزاب السياسية من لعب دور أكبر في الحياة السياسية. لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تكون هناك وجوه جديدة مقبولة في الساحة السياسية، تحمل معها رؤى وأفكارًا تتماشى مع تطلعات الشباب، التحدي هنا يكمن في مدى قدرة الحكومة على توفير بيئة سياسية تتيح للشباب الانخراط الفعلي في العمل الحزبي، بعيدًا عن الروتين التقليدي والسياسات القديمة والشباب الأردني اليوم بحاجة إلى أن يشعر بأن له دورًا حقيقيًا في صياغة المستقبل، وأن مشاركته في الحياة السياسية ليست مجرد ديكور أو صورة تجميلية.
إن الحديث عن إعادة بناء الثقة لا يجب أن يبقى في إطار الشعارات والخطابات، بل يحتاج إلى خطوات عملية تعكس جدية الدولة في هذا التوجه والرسالة الملكية كانت واضحة في الإشارة إلى ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها بجدية، وأن تكون قادرة على اتخاذ القرارات الجريئة التي تخدم مصالح المواطنين. من بين هذه الخطوات، يجب على الحكومة أن تعمل على تمكين الشباب من الوصول إلى المناصب القيادية، وأن تفتح لهم المجال للمشاركة في صنع السياسات، لتكون هذه السياسات أكثر تماشيًا مع احتياجاتهم وتطلعاتهم، الشباب الأردني ليس مجرد فئة عمرية تحتاج إلى تمثيل رمزي، بل هم المحرك الحقيقي لأي عملية تغيير أو تحديث.
في ظل التحديث السياسي المنشود، لا يمكن أن تكتمل العملية دون إعادة هيكلة المشهد الحزبي فالأحزاب السياسية في الأردن بحاجة إلى أن تكون أكثر تمثيلًا لمختلف فئات المجتمع، بما في ذلك الشباب، فإن إدخال وجوه جديدة وشابة في الأحزاب سيعطي دفعة قوية للعملية السياسية، وسيعيد الثقة للشارع بأن هناك تغييرًا حقيقيًا يجري وهذا يتطلب من الحكومة تسهيل انخراط الشباب في العمل الحزبي، ودعم المبادرات التي تعزز من حضورهم وتأثيرهم في الساحة السياسية.
لا شك أن إشراك الشباب في الحياة السياسية يشكل تحديًا كبيرًا، لكنه أيضًا فرصة لا يمكن التفريط بها فالشباب الأردني لديه الكثير ليقدمه، ولكنه يحتاج إلى من يثق به ويمنحه الفرصة، وخطاب العرش أشار إلى أن الحكومة مطالبة بتوفير بيئة سياسية تسهم في تعزيز المشاركة الفاعلة، وأن تكون السياسات الحكومية قادرة على تلبية تطلعات الشباب، لا أن تكون مجرد وعود براقة.
لا يمكن أن يتحقق أي تغيير حقيقي ما لم يتم الانتقال من مرحلة الخطابات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، على الحكومة الجديدة أن تلتزم بالرسالة الملكية، وأن تبدأ بتنفيذ رؤية التحديث الشامل بجدية، هذا يشمل ليس فقط وضع الخطط والبرامج، بل أيضًا التأكد من أن هذه الخطط قيد التنفيذ، وأن هناك متابعة مستمرة لقياس النتائج. ان الشباب الأردني يتطلع إلى رؤية نتائج ملموسة على أرض الواقع، وليس مجرد شعارات.
الرسالة الملكية جاءت لتضع النقاط على الحروف، ولتؤكد على أهمية إشراك الشباب في عملية التحديث الشامل. هذه الفئة هي الركيزة الأساسية لمستقبل الأردن، وأي جهد لإعادة بناء الثقة لا يمكن أن ينجح دون أن يكون الشباب جزءًا حقيقيًا منه.
إن التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة هو أن تثبت للشباب أنها قادرة على التغيير، وأنها تعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع، هذه الفرصة يجب ألا تضيع، وعلى الجميع العمل بجدية لتحقيق هذه الرؤية، فالشباب وقود التحديث السياسي في الأردن، والاعتماد عليهم هو السبيل الوحيد لتحقيق رؤية الملك في مئوية الدولة الثانية.