عندما نتحدث عن التحديات التي تواجه أي وطن.. تبرز الحاجة إلى قادة أقوياء.. رؤيتهم واسعة.. وأفعالهم دقيقة.. فرقٌ كبير بين المسؤول التنفيذي الذي ينغمس في تنفيذ الأوامر.. وبين القائد الذي يرسم الطريق برؤية ثاقبة.. بين من يتقوى بالمنصب ليصبح أداة في يده.. وبين من يعتمد على المنصب لتحقيق مصالحه الشخصية..
القائد الحقيقي.. هو من يبني فكره على التجارب السابقة.. ويستلهم منها ما يناسب المعطيات الراهنة.. بينما المسؤول المهتز.. يبقى أسيراً لقوانين عفا عليها الزمن.. لا يسعى للإبداع.. ولا يغامر بالخروج عن المسار التقليدي.. وهنا يكمن الفرق بين من يحمل شعلة التطور.. وبين من يكتفي بحمل كتاب القوانين بين يديه.. دون أن يدرك أن الوطن لا يُبنى بنسخ الأفكار القديمة..
وعندما نتحدث عن بناء الأوطان.. لا نتحدث عن أيدي ترتجف تحت ثقل المسؤولية.. أو ألسن تتلعثم خشية ردود الأفعال.. بل نتحدث عن قادة لديهم الجرأة لاتخاذ القرارات الصعبة.. وعن مسؤولين لا يهابون مواجهة الفساد والمحسوبية.. فالأوطان لا تنهض بالتردد.. ولا بالتراجع أمام الضغوط.. بل تحتاج إلى ثبات في القرار.. رؤية مستقبلية.. وإرادة لا تعرف التراجع..
ومع تشكيل الحكومة الجديدة.. ومجلس النواب الجديد.. يحدونا الأمل في أن يكونا أقوى من سابقاتهم.. وأن يدرك المسؤولون الجدد.. أن القيادة ليست فقط إدارة للموارد.. بل هي قدرة على رؤية المستقبل.. وتحقيق التوازن بين الطموح والممكن.. نتوقع منهم أن يقدموا خططاً مدروسة ومكتوبة.. رؤية شاملة تحقق أهدافاً وطنية.. وألا يكتفوا بتسويف القرارات.. أو تأجيل الحلول.. فالمحاسبة الحقيقية لا تأتي من العقاب وحده.. بل من الثواب والعقاب معاً.. وفقاً لما يحققه المسؤول من إنجازات..
إذا ما طبق هؤلاء المسؤولون المبادئ البسيطة للقيادة الرشيدة.. فسنرى ولادة جديدة لقوة دفع هائلة في الداخل.. قوة تجعل قراراتهم أكثر حكمة وثباتاً.. وهذا الثبات لا يعني فقط اتخاذ القرار.. بل الثبات في الدفاع عنه.. وعن المصلحة الوطنية.. كالجندي الذي يدافع عن أرضه بثبات على الزناد.. فلا مكان للأيدي المرتجفة في هذه المعركة..
إن ارتجاف الأيدي أمام التحديات.. يعني تراجعاً في ثقة الناس في قرارات الحكومة.. وفلتاناً في النظام.. وضياعاً للأمانة.. نحن بحاجة إلى مسؤولين يعرفون كيف يوقعون على قراراتهم بثقة.. مسؤولين لا يخشون من ردود الأفعال.. بل يخشون ضياع الفرص..
وفي الختام.. إذا أردنا أن نحقق رؤية جلالة الملك في بناء الأردن الريادي.. فإننا بحاجة إلى ثورة إدارية حقيقية.. تعتمد على الكفاءات المخلصة.. إلى قادة يمتلكون الشجاعة.. ويضعون مصالح الوطن فوق مصالحهم الشخصية.. وإلا فإن الأحلام ستبقى أحلاماً.. والأجيال القادمة.. ستفقد ثقتها فيمن يديرون شؤونها..