موقف إيران والأسئلة المشروعة!
محمد حسن التل
28-09-2024 10:46 PM
بعد الأحداث الكبيرة التي وقعت في لبنان خلال الساعات الماضية وفي الأسابيع الماضية في مقدمتها تصفية شبه كاملة لقيادات حزب الله من قبل إسرائيل التي طالت صواريخها رأس الهرم في حزب الله الشيخ حسن نصر الله، تلح أسئلة مشروعة عند الكثيرين .. كيف حدث هذا لحزب كبير مثل حزب الله الذي تسيد المشهد العسكري في المنطقة على امتداد عقود أربعة، وفجأة تتساقط قياداته العسكرية والسياسية بهذه السرعة والسهولة، وكأن الإسرائيلي يملك قائمة بعناوين القيادات وخريطة تحركاتهم حتى في غرف نومهم.
أربعون عامًا وإسرائيل وحلفاؤها يطاردون هذه القيادات دون جدوى، وخلال أيام معدودة تتساقط حبات المسبحة بسرعة لم يتصورها أحد، أسس حزب الله كجزء من الكيان السياسي والعسكري لإيران وهذا لا يخفيه الحزب ولا تخفيه إيران ، وهذا يغتي أن أن الضربة قد أصابت طهران في مقتل.
موقف إيران منذ اغتيال إسماعيل هنية على أرضها غير مفهوم وغير مبرر، وأظهر التباين بين الخطاب في الأجواء والفعل على الأرض، فمنذ شهور وهي تتوعد وتهدد وترفع رايات الثأر بذات الوقت الذي يعتمد خطابها السياسي مستوى من التهدئة وهو ما أسمته قيادتها الصبر الاستراتيجي أو التكتيكي في الوقت الذي سارعت بالرد على الاعتداء الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، مع أن هذا الرد اعتبره الكثيرون رفع للعتب فقط.
أنشأت طهران منذ ما يقارب من نصف قرن محور المقاومة ودعمته ، ومن خلاله سيطرت على القرار في أربع دول عربية وقاتلت إسرائيل وأمريكا بأبناء هذه الدول وعلى أرضها ،وعندما اشتعلت الحرب الأخيرة، ظهر الموقف الإيراني بضبابية واضحة تثار حوله مئات الأسئلة.
في التحليل المباشر والآني أن إيران باتت على الواقع وبعيدًا عن الخطابات والشعارات تعتبر المحور الذي أنشأته عبئًا عليها، وأنها أصبحت تتجه فعليًا نحوى تحقيق مصالحها بعد أن استخدمت ورقة ما سمته محور المقاومة وباتت تعتبر هذه الورقة قد انتهى مفعولها.
إيران الآن في موقف حرج، فإما أن تثبت ما كانت تردده خلال الأربعين عامًا الأخيرة وتبنيها لشعار "تحرير فلسطين" والقضاء على الكيان المحتل أو تعلن أنها تريد أن تغير استراتيجيتها وتتجه نحو المصالحة مع أمريكا والغرب وتفتح صفحة جديدة في مسيرتها كدولة.
ليس خفي على أحد أن في طهران أصبح هناك تيارين بعيدًا عن قصة المحافظين والإصلاحيين، الأول لا زال يتبنى نظرية المعركة والصراع وتصدير الثورة، وبينت الأحداث الأخيرة أن هذا التيار لا ترتقي أفعاله إلى أقواله، والثاني يطالب بأن تتجه البلاد إلى المصالحة مع الغرب والتخفيف من سطو سلطة ولاية الفقيه ، والواضح من خلال سير الاحداث أن هذا الاتجاه بات أقوى ولو نسبيا من أصحاب نظرية المعركة وولاية الفقيه وتصدير الثورة كما أشرت، مستندًا إلى أن الشعب الإيراني أرهق من كل الشعارات المرفوعة منذ الثورة ونتائجها على الأرض التي لم تعد عليه إلا بخسران كل شيء.
وتصريحات الرئيس الإيراني في نيويورك أوضح إشارة على واقعية هذا التصور ،إذ أن الرجل لم يترك فرصة إلا واستغلها لمغازلة الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكأنه يريد تقديم أوراق اعتماد جديدة في الوقت الذي كان حديثه عما يدور في لبنان وغزة عائمًا تصبغه المجاملة ، وظهر ذلك جليًا عندما قال أن حزب الله يستطيع الدفاع عن نفسه، وهذا القول في أحد تفسيراته أن الرجل كأنه يقول اذهب أنت وربك فقاتلا الامر الذي جعل بعض الدوائر السياسية في طهران تحاول التخفيف من حدة هذه التصريحات واعتبارها زلة لسان أو ترجمة خاطئة .
إسرائيل تشعر الآن بنشوة النصر ، ولا يمكن ردعها بعد هجومها على لبنان وتصفيتها قيادات حزب الله ، والأهم ما هو موقف طهران إذا قرر نتنياهو مهاجمتها واغتيال قيادات وتدمير منشآت فهل تظل صامتة "تكتيكيا" حتى يحدث هذا، أم أن التسوية التي يدور حولها تكهنات كثيرة تمنع إسرائيل من فعل هذا !!!