رسائل الملك السياسية في الأمم المتحدة
نسرين الصبيحي
28-09-2024 09:29 PM
ست عشر دقيقة بنحو ست عشر رسالة سياسية لم تخل من التصفيق الحار لكل من سمعها، ألقى خلالها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين خطابا تاريخيا في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها ال79 في ال24 من أيلول 2024، وسط تصاعد حدة التوتر واتساع رقعة الصراع في الاقليم واستمرار آلة العنف والقتل واستهداف المدنيين وخطط التهجير الممنهجة.
الخطاب التاريخي للملك والذي انضوى على لغة حازمة وذكية وملامح أردنية حادة تبرز في وقتها تماما، وقبل كل شيئ مكانة الملك كقائد عالمي يتمتع بالحكمة والجرأة والشجاعة، وشكّل أيضا انتصارا آخرا لدبلوماسية الدولة الأردنية في المحافل الدولية، وأثبت أن الأردن دولة لها ثقل عالمي وقدرة على إعادة ضبط بوصلة المجتمع الدولي على مبادئ العدالة والحقوق المتساوية واحترام القانون الدولي، ورسّخ موقع الأردن كدولة عربية مدافعة عن حقوق أشقائها العرب وكدولة أيضا تتحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية تجاه الإنسانية جمعاء دون أي ازدواجية في المعايير.
الخطاب التاريخي تضمن رسائل سياسية قوية واضحة وغير قابلة للتأويل ، كان أبرزها التأكيد على عبثية استمرار الحرب في غزة التي تركت ولا تزال خلفها آلاف الضحايا من المدنيين من الأطفال والنساء، ومنع وصول المساعدات الطبية والإنسانية والغذائية ، والانتقائية في حقوق الانسان في المجتمع الدولي وغياب المساءلة القانونية والدولية لمجمل الانتهاكات، والخروقات للوضع القانوني والدولي في مدينة القدس وعلى رأسها الوصاية الهاشمية للمقدسات الاسلامية والمسيحية، وسياسات التهجير الممنهجة في الضفة الغربية والتي هجرت نحو 4000 آلاف فلسطيني وافراغ قرى فلسطينية بالكامل من أهلها.
أكثر من ذلك والأهم، هو حديث الملك بوضوح عن الأردن لن يكون وطنا بديلا لأحد وأن ذلك لن يحدث أبدا، في رسالة حازمة ومباشرة تعكس ثوابت الدولة الأردنية وتعلي مصالحها الوطنية العليا، فوتت الفرصة بشكل كامل على الأطراف التي تسعى لحل وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن السياسي والتاريخي والجغرافي وتعمل لأجل ذلك عبر استهداف الضفة الغربية منذ ال 7 من أكتوبر وتهجير الفلسطينيين نحو الأردن كمقدمة لانهاء الصراع،وهو ما يعتبره الملك والقاموس الأردني بمثابة جريمة حرب على الأردن سيتم التعامل معها بكل الأدوات والوسائل وبكامل الحزم. وتؤكد على موقف الأردن التاريخي باقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية.
ووسط التهديدات التي تحيط الدولة الأردنية، عبر الملك عن موقفه الإنساني والأخلاقي النبيل في ضرورة انهاء الحرب داعيا الدول ذات الضمير في التكاتف وضمان دخول المساعدات الإنسانية والطبية لقطاع غزة، ووضع المجتمع الدولي وزعماء العالم أمام مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية، مؤكدا على القيم والمبادئ التي تحتكم اليها الأمم المتحدة وعدم الحياد عنها، ملتزما وهو يتذكر والده الراحل الحسين بن طلال الذي دافع بشجاعة عن قيم الإنسانية، بأنه لن يسمح أن يترك لمستقبل الأجيال أن يحكمهم الاستسلام.