المفترق الاقتصادي الأردني: التحديات والإصلاحات والحكومة الجديدة
المحامي الدكتور هشام العبابنة
27-09-2024 07:56 PM
في ظل التوقعات المتواضعة للنمو الاقتصادي خلال العام 2024 بنحو 2.3% إلى 2.4%، وتشكيل حكومة إنقاذ اقتصادي وإداري برئاسة الدكتور جعفر حسان، يواجه الاقتصاد الأردني لحظات حاسمة ومفترق طرق صعب. فمن جهة هناك الاضطرابات الإقليمية، بما في ذلك الحرب البربرية على الأهل في غزة منذ حوالي السنة، وتبعات جائحة كرونا، وارتفاع الدين العام ليشكل ما يقرب من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات البطالة لمستويات قياسية جديدة تقارب 50%. ومن جهة أخرى، هناك حكومة جديدة جاءت برئاسة شخصية سياسية اقتصادية مقربة من القصر ومطلعة على التحديات والخطط بشكل دقيق ومكلفة بكتاب التكليف السامي بإنفاذ خطة التحديث الاقتصادي والإداري بشكل فوري وعاجل في محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي الصعب الذي تشهده المملكة.
إن أحد أكبر التحديات التي يواجهها الأردن حالياً هو ارتفاع معدل البطالة، حيث وصلت نسبة البطالة بين الشباب إلى حوالي 50% ، وتعتبر هذه النسبة من الأعلى في المنطقة. وهذا يعود الى الزيادة السكانية غير المتوافقة مع معدلات النمو الاقتصادي، وعدم تدفق الاستثمار المحلي والخارجي بالشكل الكافي نظراُ لزيادة كلف الإنتاج، والبيروقراطية الحكومية، وعدم تنافسية بيئة الأعمال، وارتفاع كلف الطاقة، وحالة عدم الاستقرار التشريعي في محوري الاستثمار والضريبة، والتطور التكنولوجي الذي أصبح يوفر حلول غير بشرية تؤدي لتقليل الحاجة للتوظيف.
ولمواجهة هذه التحديات -في ضوء الظروف والمعطيات الراهنة- فلا بد من التفكير -فعلياً- خارج الصندوق. فلا يمكن الاكتفاء بمقترحات الحلول التقليدية المستهلكة مثل المطالبة بجلب الاستثمارات الخارجية وتخفيض الضريبة وتحسين بيئة الأعمال وما الى ذلك من عناوين عامة. بل لا بد -للحكومة الجديدة- من التفكير بحلول موضوعية ومنطقية قابلة للتنفيذ الفعلي وتقدم نتائج ملموسة -ولو كانت هذه النتائج بسيطة على المدى القصير-، ولكنها تعطي الأمل بأن خطة التحسين والتطوير قد بدأت فعلاً وحقيقةً. فمثلاً، البيروقراطية الحكومية في التعامل مع المستثمرين أصبحت من المعيقات الرئيسية للعجلة الاقتصادية. فرغم كل التصريحات الحكومية البراقة عن فتح أبواب الاستثمار وتسهيلها؛ فإن الواقع العملي مغاير تماماً. فتجد البيروقراطية الحكومية متجذرة في أذهان الدوائر والموظفين، من حيث بطء الإجراءات وتعقيدها وكثرتها وتداخل عمل الجهات التنظيمية والرقابية ببعضها، وتعارض التشريعات وتضاربها، وانتهاج سياسية "الرفض" لأي معاملة حكومية كإجابة أولية ومبدئية. ولذلك، برأيي الشخصي، فإن الإصلاح الإداري هو الخطوة الأولى على طريق الإصلاح الاقتصادي. وأن هذا الإصلاح الإداري يجب أن يبدأ بالشكل الهرمي التصاعدي؛ أي أن معالجة وإصلاح البيروقراطية الحكومية في الدوائر والمؤسسات يجب أن تبدأ من صغار الموظفين وصعوداً؛ وليس العكس.
وأما على الصعيد الاقتصادي، فإن تكاليف الطاقة المرتفعة تجعل من عملية استقدام الصناعات وتعزيز قطاع الصناعة أمر شبه مستحيل. ولذلك فإن إيجاد مصادر جديدة للطاقة واستغلال وسائل الطاقة المتجددة وفتح باب الاستثمار واستجداء المستثمرين في هذا القطاع، لمحاولة خفض كلف الطاقة، أصبح أولوية لا يمكن تجاهلها أو تأجيلها. وبخلاف ذلك، ولحين تحقيق تقدم في هذا المجال، ستظل تكاليف الطاقة العالية عائقًا رئيسياً أمام عجلة النمو الاقتصادي؛ مهما تم من إصلاحات في مجالات أخرى.
يأتي تعيين رئيس الوزراء الجديد وحكومته فرصة -من الفرص القليلة المتبقية- للتصدي لهذه التحديات الهيكلية العميقة؛ إذا تركزت جهود هذه الحكومة على العمل الفعلي الملموس من حيث العمل فوراً على تقليل الحواجز البيروقراطية واختصارها، وتحسين كفاءة الموظفين الحكوميين وترشيق الجهاز الحكومي، والتعامل مع ملف تكاليف الطاقة المرتفعة من خلال تعزيز المبادرات المتعلقة بالطاقة المتجددة، والالتزام بما جاء في خطاب التكليف السامي. وهي أمور بمجملها تؤدي الى تمهيد الطريق نحو نمو اقتصادي أكثر قوة واستدامة. فعلى الرغم من التحديات الكبيرة، يمتلك الأردن الأدوات والإمكانات اللازمة لتجاوزها، إلا أن ذلك كله مرتبط بإرادة حقيقية لدى المعنين للعمل الفعلي وتقديم النتائج؛ وأما الاكتفاء بالتصريحات والخطط والاجتماعات والتحضيرات ووعود الأيام الجميلة وغيرها من وسائل العمل، فقد أثبتت -عبر السنوات الماضية- عدم جدواها.