حتى وقبل اداء القسم الذي يقطعه النائب على نفسه بانه سيكون مخلصا للملك والوطن وان يحافظ على الدستور وان يخدم الامة ويقوم بالواجبات الموكلة اليه.استهل اكثر من أربعين نائبا تواصلهم وأعلان حضورهم على مسرح التفاعلات بتلبية دعوة السفير البريطاني على العشاء...
الدعوة التي اعتذر عن تلبيتها اكثر من ثلثي المجلس لأسباب سياسية واخرى مرتبطة بكونها تأتي بلا مناسبة واضحة وقبل ان يتعرف معظم النواب حتى على زملاءهم في المجلس الجديد.
انا متأكد ان السفارة البريطانية لم تقم بهذه الدعوة رغبة في مشاركتنا العرس الوطني ولا اظن انهم يعرفون فكر او مشارب النواب الجدد وتوجهاتهم ولا يوجد لديها من انباء مفرحة لتزفها للشعب الاردني عبر السفارة.. لكن الاشتباك الدائم للعشرات من المسؤولين الاردنيين مع السفارات اصبح ظاهرة ملحوظة وتتنامى بشكل يفوق ما كانت عليه في العقود السالفة.
منذ سنوات دأبت السفارات العربية وحتى غير العربية على إقامة دعوات افطار رمضاني يدعى له الساسة والاعلاميون والثواب والاعيان والتجار والاصدقاء وكل الاشخاص ممن تقتضي اعمالهم ومصالحهم الاقتصادية وغير الاقتصادية ادامة هذا التواصل مع الدول والأنظمة التي تمثلها تلك السفارات.
ظاهرة الزيارات المتكررة للسفارات والبقاء ضيفا دائما على قوائم دعواتها اصبحت ملفتة وتحتاج الى مزيد من التأمل لاهميتها ووظائفها وتأثيرها على اوضاعنا العامة خصوصا بعد ان اصبح هناك تقليد في العدد من سفارات البلدان العربية يجري من خلاله دعوة مئات المسؤولين الحاليين والسابقين الى موائد أسبوعية تنظمها السفارات .
في أحاديث المدينة والصالونات قصص وروايات عما اصبح يعرف بنادي السفارة الفلانية وأصدقاء السفير العلاني من الذوات الذين يتناوبون في تشكيلات دعوات الإفطار الاسبوعية او ولائم العشاء التي تجري في السفارات وبيوت السفراء دون أن يكون لها مناسبة واضحة او اجندات بحث معروفة ودون ان ينبثق عنها افكار او علاقات ترتبط بمكانه الاشخاص وادوارهم ومهتم مؤسساتهم..
في عمان أكاد أجزم ان الدعوات التي تنظمها السفارات لم تغفل سياسي ولا اعلامي ولا من يظن انه صاحب تأثير في المجتمع الا وشملته موائد الإفطار والسحور والغبقات والبرنشات التي يجري خلالها التذاكر فيما يجري وما قد يجري لتنتشر بعد ذلك فحوى الاحاديث في بقية مجالس وصالونات الاردن السياسية والاجتماعية والثقافية .
صحيح ان الاردن الرسمي يتبنى سياسة الصداقة والانفتاح على الجميع وصحيح اننا نرى دول العالم التي لها سفارات في بلدنا اما اشقاء واما اصدقاء.. كما بات واضحا اننا جميعا نحرص في لقاءتنا على ان نؤكد على عمق العلاقات مع الأشقاء العرب وقوة اواصر الصداقة مع كل دول العالم باستثناء دولة أو اثنتين .
لكن المدهش ان اشتباك الجميع مع السفارات تجاوز كل الحدود والضوابط ولا أعتقد أن ما يحدث في الاردن يحدث في اي بلد اخر فالاتصالات مقيدة ولا اظن سفرائنا في الخارج يقومون بما تقوم به سفارات الكثير من الدول الشقيقة والصديقة في الاردن .ولا اظن ان بلدا تستدعي رئيس سلطة تشريعية او مسؤولا مهما الى سفارتها بالبساطة التي تجري فيها الدعوات في الاردن فالكثير من رؤساء الوزارات ورؤساء مجالس الاعيان والثواب وأشخاص حلوا في مواقع مهمة وحساسة يشاركوا في الافطارات واللقاءات والدعوات التي تنظم بشكل دوري ويتناوب على تلبيتها الجميع.
لا اعرف بدقة سبب تنظيم السفارة البريطانية للدعوة بهذه السرعة ولا اعرف سبب تواجد رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات وعدد من المفوضين الى جانب النواب اهو احتفال بالإنجاز ام ليستمعوا الى محاضرة عن الديمقراطية البريطانية ام لماذا ؟ ..
كل ما اعرفه ان بريطانيا كانت ولا زالت داعمة للعدوان الذي تقوم به الصهيونية على الشعب الفلسطيني وانها كانت السبب وراء كل ما تعانيه المنطقة العربية من تجزئة وتقسيم وهي التي منحت لليهود الوعد بإقامة وطن قومي على الارض الفلسطينية وسهلت لهم قتل وتهجير وطرد العرب ..
كنت أظن أن المجلس العشرين الذي انتخب على وقع اخبار ومشاهد القتل والابادة والتدمير والتهديد الوجودي للاردن سيقول كلمته بوضوح لكل قوى العالم بضرورة وقف هذه الحرب الظالمة والتوفف عن تقديم الدعم للكيان الوحشي وتمويل جرائم.
المؤسف ان البعض استجاب لهذه الدعوة التي جاءت بعد قرار الحكومة البريطانية السيادي بوقف تسهيلات منح الفيزا للاردنين بعدما قالت بأنها ستضع القرار في مرحلة التجريب لخمس سنوات . نعم لقد جاء هذا القرار مفاجئا وصادما لكل الأردنيين الذين لا يزالوا يثيرون الكثير من التساؤلات. حول المبررات والدوافع حتى وان كان هناك بعض المخالفات.
تواجد هذه الاعداد الكبيرة من النواب الذين لبوابة الدعوة مشهد لفتت انظار المتابعين والمهتمين بطرق متباينة فالبعض قرأ فيها مبادرة انجليزية هدفت الانفتاح على المؤسسة التشريعية الاردنية والبعض راى فيها اندفاع غير مبرر من قبل ممثلي الشعب دون توظيف سياسي لهذه الدعوة في اثارة اهم القضايا التي تهم الامة والشعب.
لا اعرف اذا كان النواب قد آثارها ايا من هذه القضايا فلم تحمل الانباء اي انباء سياسية عن اللقاء ولا اعرف ما قاله السفير وما قصدته السفارة من دعوتها هذه لكني اعرف ان هذه الحادثة تقول الكثير عن كيف يفكر الفوج الجديد من اعضاء مجلس النواب واسلافهم وكيف تغيب السياسة والفعل السياسي عن العمل البرلماني وكيف يمكن ان تلعب الاحزاب ادوارها الفكرية والايدلوجية والتنويرية بعيدا عن الهياكل التي وضعناها لها وطلبنا لبعض الشخوص الدخول فيها وأننا بذلك اننا اوجدنا حياة حزبية .
حقيقة الامر ان لا شيء يعيب هذا النمط من الدبلوماسية شريطة ان يكون الوطن وهمومه ومخاوفه حاضرة في هذه اللقاءات وان لا نراها او نسمعها كفضائح على صفحات الوكي ليكس كما حصل في الاعوام التي خلت....التهنئة مرة أخرى لاعزائنا النواب وللانجليز نقول شكرا لدعوتكم لممثلينا لكنا نتطلع الى مواقف تتجاوز العلاقات العامة وشرح الأفعال نحتاج إلى أن نرى تفعيلا حقيقيا وجادا للقانون الدولي وللمبادي التي قامت عليها هيئة الأمم. الشعب العربي يريد عدلا وكراما ويريد ان يثق بأن الأمم كل الأمم تمتثل للشرعية الدولية وان لا أحد فوق القانون.