بهكذا عبارات .. هل تمتدح نفسك أم تهينها؟!
محمود الدباس - ابو الليث
27-09-2024 11:05 AM
تخيل أن تكون في مجلسٍ.. وتسمع تلك العبارات التي لا تنفك تتكرر مع كل ذكر لاسم شخص أصبح ذو مكانة أو سلطة.. تلك العبارات التي تبدو للوهلة الأولى عابرة.. لكنها تحمل في طياتها سهاماً مسمومة من الغيرة والحسد.. كأن يقول أحدهم.. "هاظ.. كان موظف بسيط لا يعرفه أحد".. أو "هاظ.. اقترض مني مالا وفتح مشروعه.. وها هو اليوم في مكانة مرموقة في السوق".. وكأن هذا الشخص الذي نال النجاح.. كان مجرد عامل أو تابع.. ليس له من الفضل شيء.. سوى أنه التقط الفرصة التي لم يراها الآخرون..
إنها محاولة مكشوفة لتقليل من قيمة الآخر.. ولرفع قيمة الذات بشكل وهمي.. هي حيلة نفسية فاشلة في جوهرها.. لأنها تكشف عن نقص داخلي.. وعن شعور بالعجز عن الوصول إلى ما حققه الآخرون.. عباراتهم تلك.. هي في حقيقة الأمر تذمر خفي.. وألم مستتر.. لأنهم هم من بقوا في أماكنهم.. بينما تقدم من كانوا تحت أمرتهم.. أو حتى ممن اقترضوا منهم المال..
لكن دعونا نكن صريحين.. هؤلاء الأشخاص.. لا يدركون أن كل كلمة ينطقون بها.. تعود عليهم بالسلب.. فهم لا يمدحون أنفسهم.. بل يكشفون للملأ.. أنهم هم من أهملوا في تطوير أنفسهم.. وأنهم هم من قصروا بحق أنفسهم عندما كانت لديهم الفرصة.. فهم بدلاً من أن يركزوا على استغلال الفرص.. أو تطوير أنفسهم.. انشغلوا بتقزيم نجاح الآخرين..
ولو كان في كلامهم شيء من العقلانية.. أو الإنصاف.. لكانوا يقولون مثلاً.. "هذا الشخص كان دائماً مميزاً.. وكنت أعرف أنه سيحقق شيئاً عظيماً".. أو "كان واضحاً أنه يمتلك الذكاء والموهبة".. لكنهم بدلاً من ذلك.. يفضلون خنق الحقيقة بكلمات مفعمة بالغيرة.. وكأنهم يخشون الاعتراف بأنهم هم من فشلوا.. وليس ذاك الشخص الناجح..
وهنا يكمن السؤال.. هل بهذه العبارات فعلاً تمدح نفسك.. أم أنك في الحقيقة تكشف للعالم أنك كنت مقصراً في استغلال الفرص التي كانت بين يديك؟!.. فبدلاً من أن تكون شهادةً لنفسك.. أصبحت دليلاً على تهاونك.. وصكاً يعترف بأنك لم تقتنص ما كان يمكن أن يكون من نصيبك..
فيا من تردد تلك العبارات.. اعلم أن كل كلمة تقولها.. ما هي إلا مرآة تعكس تقصيرك.. وأن الشخص الذي كان في يوم من الأيام تحت مظلتك.. أو اقترض منك المال.. استطاع بما لديه من عزيمة أن يسبقك.. بينما بقيت أنت في مكانك.. تنتظر الفرص دون أن تتحرك.. لذا توقف عن خداع نفسك.. فإنك بهذه العبارات لا تقلل من شأن الآخرين.. بل تدفن نفسك في حفرة من الشعور بالخيبة والألم..
إن كنت تريد حقاً أن تغيّر نظرتك.. وأن تكون شخصاً صادقاً مع نفسك.. اعترف بالنجاح دون حسد.. وامدح الآخر إن كان يستحق.. لأن التقدير الحقيقي ينبع من الاعتراف بفضل من سبقوك.. وليس من محاولة تحجيمهم..