إن كان هنالك درسا نستقيه مما يجري حاليا في منطقتنا ، درسا واضحا وضوح الشمس لا لُبْسَ فيه ولا التباس ، درسا نحن نفشل كل يوم بسبب الابتعاد عنه ، نستعيض عنه بالسماء ظانّين أنها قد تنصفنا لأنّنا " الاكثر ايمانا " ، درسا نضع المحددات أمامه ، و سلاحا لا تشتريه المليارات ، إن لم ينوي العقل استعيابه ، فهو درس بعنوان " نتائج الابتعاد عن العلم"
بعيدا عن نية اسرائيل الاستفراد بعضلاتها ، أنا الدولة الاكثر تقدما ، أنا التكنولوجيا و التكنولوجيا أنا ، أنا من أطيح بأعتى القوى العسكرية بنقرة زر ، أنا و أنا و أنا..
لسان الدولة العِبرية في هذه القضية بالذات لا يكذب ، فسلاح العِلم الذي تتسلح به اسرائيل ، للأسف نحن كل يوم نبعده أكثر عن مجتمعاتنا ، نحرّم و نحلّل و نكفّر و نجيز ، ننهى و نبيح ، ثم نسأل كيف بغباء شديد للعدو أن يستبيح!؟
مضمار العِلم واسع جدا ، و فضفاض جدا ، و قد يكون معقدا جدا وفقا لزاوية النظر و التفكير ، فعندما بدأ العلم يدرس الاستنساخ ، خرجت كل القوى الدينية و المرجعيات لتحرّم الاستنساخ بشدّة ، بالتأكيد في الغرب لا كلمة قاطعة كحد السيف للفاتيكان ، إذ يعامل البابا "رأس الكنيسة" كرمز روحيّ و ديني فقط ، لا سلطة له أو تحكم، ما يحلّله أو على النقيض ينهى عنه لا يؤثر بأي شكل على النسق و البحث العلمي أو يعرقل التجارب و الاختبارات ، فالغرب استفاق و أدرك أن السلطة الدينية لا يجب اشراكها بالسلطات المدنية مطلقا مهما كانت النتائج.
هذا ما نحتاجه في شرقنا ، نحتاج للعـلم و العلمانية معا ، هذا الثنائي كلّ منهم يكمل الآخر ، فالعلم دون علمانية ، كمن يضع مختبرا في صندوق ، و العلمانية بدون أسس علمية تصبح انفتاحا غير مرغوب به و بلا نتائج مرجوة.
مارست الحركات الدينية المتشددة حربا ضروس ضد العلمانية ، فأمست الكلمة بحد ذاتها "بعبعا" ينادى به و يسوّق له على الضفة المقابلة روّاد الحركات الدينية و الاحزاب الطائفية التي تريد دولة متدينة لا دولة مدنية ، بيد أن العلماينة في معناها البسيط البعيد عن الاكاديميات و التعقيدات ، هي فصل الدين عن الدولة ، سلطة رجال الدين عن القانون.
هذا الفصل يخدم الدين أكثر من التدّين بحد ذاته ، لأنّ الناس في الدول ذات الطابع الديني ستميل للتنافس بتفاصيل الدين دون الاهتمام بلبّ الدين و روحانياته ، أمّا الجمهور في الدول العلمانية يعي جيدا أن الدين أسلوب حياة فردي لكل شخص ، لا تنافس في تفاصيله ولا استعراض ، عندها ينظر للدين بشكل بريء لا براجماتي ، فيُنصف في الانظمة العلمانية و يستغل في الانظمة ذات الطابع الديني.
نحن اليوم في أشد الحاجة إلى اعادة ترتيب اوراقنا ، فكيف نتأمل تغيّرا في النتائج ما دمنا نسير على ذات المنهج و الخطط؟ ..
فمجرد النظر إلى ما تفعله اسرائيل اليوم ، علينا أن نشعر بالخجل و الخوف ، خجل من تطوّر سبقنا فيه الكيان الذي لا يعرف الاخلاقيات بسنوات ضوئية ، و خوف من قادم مجهول ، فإن نزل مؤمن و غير مؤمن إلى البحر ، سينجو الماهر في السباحة ، فالدعاء الذي امطرنا به اسرائيل عقودا...امطرتنا به اسرائيل بالذهول.