facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




ذكريات شنغهاي وأطول نهر في آسيا


مصطفى القرنة
26-09-2024 06:39 PM

تتدفق المياه في نهر اليانغستي، كأنها تحمل معها ذكريات ماضٍ عريق وحكايات لم تُروَ بعد. اليوم، وأنا أتجول في شوارع شنغهاي، أشعر وكأنني هاربٌ من واقعي، أسير نحوك، يا أطول نهر في آسيا. ذكريات الماضي وشغف الحياة تتجلى في كل خطوة أخطوها باتجاه ضفافك.

أجواء المساء هنا، في المدينة الصاخبة، حارة قليلاً، وغائمة، بينما يمتد المحيط الهادئ أمامي كمرآة تعكس جمال المدينة ونشاطها. إنني أستقل سفينة تسير على مهل في مجرى مائك، الذي يحمل أسرار الجبال والمروج البعيدة. تلك المياه العذبة التي تغذي الأرض، تأتي من هضبة التبت، وتجلب معها عبق التاريخ والثقافة.

في كل مرة ألتقي بك، يا نهر اليانغستي، أشعر بأنني أعود إلى زمن بعيد، زمن اللقاءات الأولى والتجارب التي شكلتني. تذكرت كيف كنت في مدينة تشينغ تشونغ، تلك اللحظات التي احتضنتني فيها، وكأنك كنت تعرف أنني سأعود إليك يومًا ما. اليوم، وأنا أشاهد المدينة تتلألأ بأضوائها، أجد نفسي في قلب تجربة لا تنسى، حيث أستطيع رؤية الشاهقات التي تخترق السحاب.

مع انهمار المطر، شعرت بشعور خاص. كانت القطرات ناعمة ودافئة، كأنها تأخذني بعيدًا إلى عوالم أخرى. وأثناء احتسائي لكوب من النسكافيه في رحاب السفينة شنغهاي ، يبدأ الذهن بالتجول في زوايا ذكرياتي. كم كانت تلك اللحظات جميلة، حيث كان كل شيء يبدو أكثر وضوحًا، وأكثر حيوية.

تدور الأفكار في ذهني حول الأصدقاء والذكريات التي شاركناها. هنا في شنغهاي، التقيت بصديقي الدكتور عبد الجبار، أبو اللغة العربية في الصين. كان اللقاء مليئًا بالحب والمودة، حيث تبادلنا الحكايات والرؤى. تحدثنا عن الأدب والثقافة، وتذكرت ديواني "أنا والشمس وبكين"، الذي أشهرته في هذه البلاد. وعدته بإرسال نسخة، لكن الحياة أخذتني بعيدًا، وها أنا الآن أشعر بالحسرة لأنني لم أستطع الوفاء بذلك الوعد.

إن حكايات الصين لا تنتهي، وتاريخها المليء بالأحداث يتجلى في كل زاوية من زوايا المدن. أسعى جاهدًا للإمساك ببعض اللحظات، وكأنني أريد أن أحتفظ بها في قلبي. إن كل لحظة أمضيها هنا، هي بمثابة جزء من تجربة غنية أريد أن أعيشها بالكامل.

اليانغستي، كائن عظيم يعبر الزمن، ويتجاوز الحدود. يروي قصص الفلاحين الذين عاشوا على ضفافه، والصيادين الذين يعتمدون على مياهه. فهل سيظل شاهدًا على قصتي، أم سيمضي كعادته دون أن يلتفت إليّ؟ أحيانًا، أشعر بأنني جزء من حكايتك، وأنني مرتبط بك بشكل عميق. كل قطرة من مائك تحمل في طياتها أثر الزمان، وكل موجة تروي قصة.

مع غروب الشمس، وامتزاج الألوان في الأفق، أعود إلى قارب الذكريات. أجد نفسي محاطًا بجمال النهر وروح المدينة. إن اليانغستي ليس مجرد نهر، بل هو رمز للتواصل والترابط بين الثقافات. في حضوره، أشعر بالسكينة، وكأن العالم من حولي يتلاشى، وتبقى اللحظة هي الأهم.

ومع كل هطول لمطر ناعم، أسترجع ذكرياتي، وأحتفظ بكل لحظة كتبتها يد الزمن على صفحات قلبي. يا اليانغستي، رحلتي معك مستمرة، وأنت الملاذ الذي أعود إليه كلما احتجت للهروب من صخب الحياة. أسأل الله أن تبقى دائمًا، كأطول نهر في آسيا، رمزًا للجمال والتاريخ والحنين.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :