قراءة تحليلية لخطاب الملك في الأمم المتحدة
د. تمارا زريقات
26-09-2024 02:02 PM
أسهمت خطابات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين -حفظه الله ورعاه- في تعزير مكانه الأردن الدولية باعتبارها شريكاً هاماً في حل الأزمات الإقليمية والدولية، من خلال التركيز على الحلول والمساعي الدبلوماسية والإنسانية، وعلى مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، ألقى جلالته العديد من الخطابات تناولت العديد من القضايا المتعلقة بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب والتطرف، ولطالما كانت القضية الفلسطينية محورًا هامًّا في خطابات جلالته ولقاءاته في الأمم المتحدة.
وفي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المعقودة في دورتها الــ(79) ألقى جلالة الملك خطاباً تاريخياً بحضور سمو الأمير هاشم ابن عبد الله الثاني، وجاء هذا الخطاب في فترة زمنية وصفها جلالته بأنها الأخطر.
حيث حمل خطاب جلالته رسائل واضحة وصارمة تعكس القلق من تراجع الثقة بالمنظومة القيمية الدولية والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة مؤكداً بأن ذلك يسبب أزمة غير مسبوقة في شرعيتها ومصداقيتها على المستوى الدولي، وأشار جلالته بشكل خاص للهجمات الإسرائيلية على أشقاءنا في غزة والضفة الغربية والتي تجاوزت كل المعايير الإنسانية والقانونية متجاوزة الخطوط الحمراء خاصة فيما يتعلق بقتل الأطفال وعمال الإغاثة وصولاً إلى انتهاك الوضع التاريخي والقانوني للمقدسات في القدس.
وأشار جلالته حفظه الله إلى أنه تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية بتوفير آلية لحماية الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال لأكثر من خمسة عقود، مشدداً على أن التاريخ سيحكم على العالم بناء على الشجاعة التي سيتخذها في هذه الأوقات الحرجة.
ويمكن إبراز أهم ما جاء في الخطاب في عدة نقاط رئيسية:
1. الأزمة الشرعية الدولية: حذر جلالته من أن تفقد الأمم المتحدة مصداقيتها بسبب الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني في ظل عجزها عن حماية المدنيين في غزة.
2. ضرورة امتثال الجميع للقانون الدولي: حيث وضح جلالته أن الواقع الأليم يتجلى أمام الكثيرين بأن بعض الشعوب هي فعلياً فوق القانون الدولي وأن العدالة الدولية تنصاع للقوة وأن حقوق الإنسان انتقائية وامتياز يُمنح للبعض ويحرم منه البعض الآخر؛ في حين أن الهدف الأساسي لإنشاء الأمم المتحدة جاء بالقناعة والايمان بأن جميع البشر متساوون في الحقوق والكرامة والقيمة وأن جميع الدول متساوية أمام القانون (ففي ظل غياب هذه المنظومة القيمة أذن ما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟؟؟
3. الدعوة للعمل الدولي من أجل اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الفلسطينيين وضرورة تبني آلية لحمايتهم في جميع الأراضي المحتلة.
4. التأكيد على ثوابت الموقف الأردني واستحالة أن يكون الأردن وطن بديل: حيث أكد جلالته بحزم الرفض التام لهذه الفكرة مستخدماً عبارة (التهجير القسري) معتبراً ذلك جريمة حرب.
5. البعد العسكري في الخطاب: أشار جلالته إلى أنه جندي نشأ في منطقة أصبحت فيها الصراعات أمراً مألوفاً وفي ذلك رسالة واضحة ومغزى قوي وفيه تحدٍ لكل من يحاول المساس بأمن الوطن وقيادته وبأن الشعب يقف خلف جلالته جنوداً أوفياء للدولة والوطن والقيادة.
6. رفض الحكومات الإسرائيلية للسلام واختيارها للمواجهة نتيجة الحصانة التي تتمتع بها عبر سنوات في ظل غياب أي رادع لها، مؤكداً جلالته بأن هذه الحصانة أصبحت أكبر عدو لإسرائيل في ظل وضوح عواقبها في كل مكان، حيث تم إتهام الحكومة الإسرائيلية بارتكابها الإبادة الجماعية، كما أن أصداء الغضب تجاه ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات تتردد في كل أرجاء العالم مطالبة بفرض العقوبات على إسرائيل.
7. الديمقراطية ومبادئها كمرجعية: حيث أكد جلالته بأن أمام إسرائيل خياران بالعيش وفقاً للقيم الديمقراطية المتمثلة بالحرية والعدالة والمساواة للجميع، أو أن تخاطر بالتعرض للمزيد من الرفض وبالتالي العزلة.
8. التوحد من أجل السلام: حيث أكد جلالته أن السلام المرتكز على القانون الدولي والعدالة والحقوق المتساوية والاعتراف المتبادل هو الحل.
9. على خطى الآباء: حيث استذكر جلالته كلمات المغفور له الملك الحسين ابن طلال قبل (64) عام في الهيئة العامة للأمم المتحدة "لقد كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثل والدي تماما، فإنني أرفض أن أترك لأبنائي أو لأبنائكم مستقبلا يحكمه الاستسلام".
خطاب تاريخي يؤكد بكل وضوح وشفافية على موقف الأردن بقيادته الحكيمة والمتزنة والشجاعة بضرورة اتخاذ خطوات سياسية حقيقة لوقف الانتهاكات الإنسانية والقانونية التي تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني؛ كما أنه بدأ واضحاً حجم الاحترام والمهابة التي يحظى بها جلالته حيث صفق الحضور خمس مرات مبديين إعجابهم بكل الطروحات؛ لما يتمتع به جلالته من مصداقية والتزام بالمنظومة القيمية للقانون الدولي والإنساني على حد سواء؛ ملك شجاع يتحدث بكل قوة وجرأة؛ ويحق لنا أن نفخر كمواطنين وكمؤسسات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني بهذا القائد؛ ونقف خلف جلالته ونعضده في مواقفه المتقدمة والشجاعة امتثالا للواجب الأخلاقي والإنساني والقومي ودفاعاً عن مصالح الأردن…
خطاب وضع كل النقاط على الحروف و لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها ،،،،
وعليه سنحدد المسار في الأيام القادمة ،،،،