قراءة في مضامين خطاب الملك بالجمعية العامة للأمم المتحدة
فيصل تايه
26-09-2024 12:02 PM
اعاد خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك في دورتها التاسعة والسبعين توجيه البوصلة نحو فلسطين وشعبها بالعودة إلى الحقائق الراسخة في الموقف الأردني ، وهي رسالة قوية وواضحة للمجتمع الدولي ، ولحظة فارقة في نصرة الشعب العربي الفلسطيني ، اذ عودنا جلالته ان يكون مدافعاً عن فلسطين وقضية فلسطين ، وان يكون على الدوام صوت الحكمة الذي يستمع اليه العالم ، فالمتابع يلحظ جلياً لغة التصعيد الحكيمة الدالة على الموقف القوي الراسخ تجاه القضية الفلسطينية ، فقد وضع جلالته المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني والجرائم التي ترتكبها بحقه الكيان الإسرائيلي ، والتقصير الواضح في إمكانية وصول المساعدات إلى قطاع غزة، فقد أشار جلالته إلى "أن الواجب الأخلاقي يحتم على المجتمع الدولي أن يتبنى آلية لحمايتهم في جميع الأراضي المحتلة، وتوفير الحماية للفلسطينيين من المتطرفين الذين يدفعون بمنطقتنا إلى حافة حرب شاملة".
لقد كان خطاب جلالة الملك مثالا لصوت العقل والضمير ، فهو خطاب سياسي وأخلاقي وقانوني "وازن ورصين" من خلال ما أكده جلالته على أن الشرعية الدولية والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقواعد الأخلاق الدولية وحقوق الإنسان لا يجب أن تقف عند حدود دول معينة خصوصا عندما يتعلق الأمر بمخالفات جسيمة وجرائم تنتهك فيها إسرائيل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ، مع ضرورة أعاد توجيه البوصلة نحو العدل والسلام، فالوقت قد حان لتفعيل قرارات الشرعية الدولية، وأن على الأمم المتحدة أن تستعيد دورها المفقود في تحقيق العدالة، وحفظ الأمن والسلم الدوليين.
أن ما جاء في خطاب جلالة الملك يُؤرخ لمرحلة مقبلة سيشهدها العالم، وإلى تحديات حقيقية يجب أن يتعاطى ويتعامل معها العالم أجمع، وضرورة وحتمية إيقاف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين، غير أبهة بالقوانين الدولية، والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية للقطاع، والوقوف سدا أمام محاولات عملية التهجير القسري للفلسطينيين، وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم.
يجب ان نعي تماماً أن جلالة الملك وهو يحظى باحترام العالم أجمع قد وضع المجتمع الدولي عند مسؤولياته ، لأنه استند إلى شرعية دينية وتاريخية وقانونية وإنسانية، وفتح الباب للعالم بأن يقوم بواجبه دون تسويف وتردد تلافيا للقادم الذي سيكون ذو عواقب وخيمة على الإقليم والعالم ، كما ووضع جلالته أمام العالم معاناة شعوب المنطقة ورغبتهم الحقيقية بالسلام العادل الذي يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني، ورفضهم التام لحصانة الاحتلال وتصرف قادته باعتبارهم فوق القانون الدولي، والذي لن يخدم أي فرصه للسلام في المنطقة.
كما ومن الملاحظ أن جلالة الملك، بحديثه القوي الشامل لجميع مستجدات الأمور بالمنطقة ، كان حازما وحاسما وشفافا ودقيقا وصريحا ، عندما خاطب إسرائيل بشكل مباشر، مطالبًا إياها باتخاذ خيار مصيري بين أن تعيش كدولة طبيعية، تحترم قواعد الديمقراطية والعدالة، وتتعايش بسلام مع جيرانها، أو أن تختار طريق العزلة والكراهية والانتقام، وهو ما تمارسه اليوم بقتل الأطفال والنساء، واستهداف عمال الإغاثة والصحفيين، وتدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية في غزة، ومنع دخول شاحنات الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع المحاصر ، لذلك دعى جلالة الملك الدول الى الانضمام إلى الأردن في فرض بوابة دولية للمساعدات الإنسانية إلى غزة، كجهد إغاثي ضخم لإيصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وأن لا تكون المساعدات الإنسانية أداة حرب أبدا.
خطاب جلالة الملك كان رسالة مدوية الى العالم بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإنهاء الكارثة الإنسانية والمجازر التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية، وفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية ، كما وان جلالته دعا المجتمع الدولي للوقوف في وجه الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ، وتاكيد جلالته أن غياب المساءلة الدولية جعل من الجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية أمرًا اعتياديًا، وأن وحشية العدوان تجاوزت كل التصورات، حيث أصبحت إسرائيل تستخدم الغذاء والدواء كسلاح ضد المدنيين في غزة، في انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية.
بقي ان اقول ان جلالة الملك أكد بوضوح وإصرار أن الأردن لن يقبل بأي حال من الأحوال بمقولة "الوطن البديل"، اذ ان هذه الفكرة لن تتحقق أبدا، ولن نقبل بالتهجير القسري للفلسطينيين، فهو جريمة حرب، وسيظل الاردن داعمًا لحق العودة وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام "١٩٦٧"، وعاصمتها القدس الشرقية ، وأن التصعيد ليس من مصلحة أية دولة في المنطقة، ويتجلى ذلك بوضوح في التطورات الخطيرة في لبنان في الأيام القليلة الماضية.
واخيرا فنحن كاردنيين نعبر عن اعتزازنا بهذا الخطاب الشجاع الذي يعكس موقف الأردن الرافض لكل أشكال الظلم والعدوان، ونعرب عن وقوفنا التام خلف المواقف الأردنية التاريخية والراسخة بقيادة جلالة الملك تجاه القضية الفلسطينية بجميع تفاصيلها وأركانها والجهود النوعية لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإنهاء الكارثة الإنسانية هناك وضمان وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى أهلنا في غزه .
ادام الله جلالة الملك ذخراً وسنداً للوطن والأمة
وحمى الله الاردن ارض الفخر والعز