التصعيد ليس بطولة .. والمطلوب هو التوافق
باتر محمد وردم
17-05-2011 04:27 AM
مع أن خطوات الإصلاح السياسي في الأردن تسير بطريقة هادئة ولكن بطيئة على صعيد التعديلات الدستورية والتشريعية ومكافحة الفساد وهي المحاور الثلاثة الأكثر أهمية، نجد أننا لا نزال كأجهزة رسمية ونشطاء سياسيين غير قادرين بعد على الوصول إلى التفاهم المطلوب في إدارة التجمعات الشعبية، واصبح كل حراك أو مسيرة أو اعتصام يشكل حالة قابلة للانفجار نتيجة سوء تصرف عفوي اثناء الحدث أو تخطيط مسبق لإثارة المشاكل.
لا يتعلق الأمر فقط بمسيرة 15 ايار ولا باعتصام 24 آذار ولا العديد من الحالات الأخرى ولكنها في ثقافة لا زالت متجذرة في تخوين من يخرج عن الخطاب الرسمي أو يقدم وجهة نظر معارضة وكذلك ثقافة من الشك لدى جماعات المعارضة المختلفة حول استهداف الدولة لها وعدم وجود جدية في الإصلاح، وفي حال وجود هذه المواقف المسبقة تكون دائما الظروف مهيئة للصدام.
ولا يقتصر الأمر فقط على المظاهرات ولكن حتى في بعض البيانات والتصريحات نجد تجاوزا لقيم متجذرة في الأخلاقيات السياسية ، وهي تجاوزات غير مبررة ولا تخدم ابدا الهدف الإصلاحي في البلاد والذي يتمثل في تطوير الحياة السياسية ومشاركة المجتمع في صناعة القرار وفق ممارسة ديمقراطية صحيحة ونزيهة، ولا يمكن المضي قدما في مكافحة الفساد من خلال كيل الاتهامات غير المستندة إلى دلائل والدخول في مرحلة إغتيال الشخصيات. هنالك بعض الوثائق والأدلة والتي يمكن أن تثبت وجود تجاوزات تستحق المحاسبة وهنالك قضايا مفتوحة على كافة الاحتمالات، في المقابل هنالك احيانا تجاوز على المعايير الأخلاقية للعمل السياسي والإعلامي والتي لا يمكن أن يندرج تحت إطار حرية التعبير لأنه يخلق من المشاكل والضغائن أكثر مما يحل من المشاكل والتحديات.
نحن الآن في مرحلة انتقالية مهمة من العمل السياسي وهي تتطلب البناء المنهجي وتحتاج إلى أفكار وخيارات جديدة لمواجهة التحديات، وما تقوم به اللجان الثلاث حول الدستور وقانوني الأحزاب والانتخابات وكذلك الحوار الاقتصادي هي خطوات في مأسسة عملية التحول السياسي المنشود، وهي مفتوحة لكافة الأفكار والطروحات التي تقدم قيمة مضافة. ولكن لا يمكن أن يحدث اي تقدم في ظل مناخ التشكيك والبيانات الاستفزازية والصدامات المستمرة في كل حدث جماهيري كبير فكل ذلك يخلق واقعا جديدا من السلبية والضغائن التي تصبح هي الأخرى بحاجة إلى المعالجة.
طريق الإصلاح ليس سهلا وفيه الكثير من الآلام وعلى كافة التيارات السياسية أن تعرف أنه لا بديل عن تقديم التنازلات المتبادلة حتى تستمر الدولة في المضي نحو المستقبل ومن الصعب أن تتمسك جهة ما أو عدة جهات بمواقفها المسبقة وتصر عليها حتى لو كان الثمن هو المزيد من التوتر السياسي والاجتماعي وهذا ينطبق على طرفي المعادلة في السلطات الرسمية وفي التيارات السياسية المعارضة. التصعيد ليس بطولة ولا طريقا للمكاسب الشعبية والسياسية لانه سيكون على حساب الدولة والمجتمع ككل والمفروض هو الوصول إلى التوافق على القيم والإجراءات المشتركة للإصلاح والتي تخدم هدف تطور الدولة الأردنية ومن ثم الدخول في النقاشات التفصيلية حول القضايا الأخرى والوصول إلى توصيات محددة وتجاوز التنظير وتبادل الاتهامات وثقافة التشكيك المتبادل التي لا يمكن أن تخلق جوا صحيا للنجاح.
batirw@yahoo.com
(الدستور)